تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } أي : وصل إليهم من أعدائهم { هُمْ يَنْتَصِرُونَ } لقوتهم وعزتهم ، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار .

فوصفهم بالإيمان ، وعلى الله ، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر ، والانقياد التام ، والاستجابة لربهم ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق في وجوه الإحسان ، والمشاورة في أمورهم ، والقوة والانتصار على أعدائهم ، فهذه خصال الكمال قد جمعوها ، ويلزم من قيامها فيهم ، فعل ما هو دونها ، وانتفاء ضدها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ } أى : أن من صفاتهم كذلك أنهم إذا بغى عليهم باغ ، أو ظلمهم ظالم ، أو اعتدى على كرامتهم أو على دينهم معتد ، فإنهم لا يخضعون له ، ولا يذلون أمامه ، وإنما هم ينتصرون لدينهم ولكرامتهم ، بأن يقابلوا بغيه وعدوانه ، بما يردعه ويجعله يخشى إصابتهم بأذى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } أي : فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ، ليسوا بعاجزين ولا أذلة ، بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم ، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا وعفوا ، كما قال يوسف ، عليه السلام ، لإخوته : { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ]{[25923]} } [ يوسف : 92 ] ، مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه ، وكما عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ، ونزلوا من جبل التنعيم ، فلما قدر عليهم مَنَّ عليهم {[25924]} مع قدرته على الانتقام ، وكذلك عفوه عن غَوْرَث بن الحارث ، الذي أراد الفتك به [ عليه السلام ]{[25925]} حين اخترط سيفه وهو نائم ، فاستيقظ ، عليه السلام ، وهو في يده صَلْتا ، فانتهره فوضعه من يده ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف من يده ، ودعا أصحابه ، ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ، وعفا عنه . وكذلك عفا عن لبيد بن الأعصم{[25926]} ، الذي سحره ، عليه السلام ، ومع هذا لم يعرض له ، ولا عاتبه ، مع قدرته عليه . وكذلك عفوه ، عليه السلام ، عن المرأة اليهودية - وهي زينب أخت{[25927]} مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة - التي سمت الذراع يوم خيبر ، فأخبره الذراع بذلك ، فدعاها فاعترفت فقال : " ما حملك على ذلك " قالت : أردت إن كنت نبيا لم يضرك ، وإن لم تكن نبيا استرحنا منك ، فأطلقها ، عليه الصلاة والسلام ، ولكن لما مات منه بشر بن البراء قتلها به ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا ، والحمد لله{[25928]} .


[25923]:- (4) زيادة من أ.
[25924]:- (5) في ت، م، أ: "عنهم".
[25925]:- (6) زيادة من ت.
[25926]:- (7) في ت: "أعصم".
[25927]:- (8) في ت، م: "بنت".
[25928]:- (9) في أ: "ولله الحمد والمنة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } على ما جعله الله لهم كراهة التذلل ، وهو وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا يخالف وصفهم بالغفران ، فإنه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم ، والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي ، ثم عقب وصفهم بالانتصار للمنع عن التعدي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

مدح الله تعالى في هذه الآية قوماً بالانتصار من البغي ، ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا : الانتصار بالواجب تغيير منكر ، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر واختلف الناس في المراد بالآية بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحاكم المسلمين ، فقال مقاتل : الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص . وقالت فرقة : إنها نزلت في بغي المشرك على المؤمن ، فأباح الله لهم الانتصار منهم دون تعدٍّ ، وجعل العفو والإصلاح مقروناً بأجر ، ثم نسخ ذلك بآية السيف ، وقالت هذه الفرقة وهي الجمهور ؛ إن المؤمن إذا بغى على مؤمن وظلمه ، فلا يجوز للآخر أن ينتصف منه بنفسه ويجازيه على ظلمه ، مثال ذلك : أن يخون الإنسان آخر ثم يتمكن الإنسان من خيانته ، فمذهب مالك رحمه الله أن لا يفعل ، وهو مذهب جماعة عظيمة معه ، ولم يروا هذه الآية من هذا المعنى ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك »{[10161]} . وهذا القول أنزه وأقرب إلى الله تعالى . وقالت طائفة من أهل العلم : هذه الآية عامة في المشركين والمؤمنين ، ومن بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصف لنفسه ويخون من خانه في المال حتى ينتصر منه ، وقالوا إن الحديث : «ولا تخن من خانك »{[10162]} ، إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يزني بحرمة من زنا بحرمته ؟ فقال له النبي عليه السلام : ذلك يريد به الزنا ، وكذلك ورد الحديث في معنى الزنا ، ذكر ذلك الرواة ، أما أن عمومه ينسحب في كل شيء .


[10161]:أخرجه أبو داود، والترمذي، والدارمي في البيوع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي مسند أحمد عن رجل من أهل مكة يقال له: يوسف، قال: كنت أنا ورجل من قريش نلي مال أيتام، قال: وكان رجل قد ذهب مني بألف درهم، قال: فوقعت له في يدي ألف درهم، قال: فقلت للقرشي: إنه قد ذهب لي بألف درهم، وقد أصبت له ألف درهم، قال: فقال القرشي: حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).
[10162]:أخرجه أبو داود، والترمذي، والدارمي في البيوع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي مسند أحمد عن رجل من أهل مكة يقال له: يوسف، قال: كنت أنا ورجل من قريش نلي مال أيتام، قال: وكان رجل قد ذهب مني بألف درهم، قال: فوقعت له في يدي ألف درهم، قال: فقلت للقرشي: إنه قد ذهب لي بألف درهم، وقد أصبت له ألف درهم، قال: فقال القرشي: حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).