ومن لطفه بهم وإحسانه إليهم أنه ، لما { همت طائفتان } من المؤمنين بالفشل وهم بنو سلمة وبنو حارثة كما تقدم ثبتهما الله تعالى نعمة عليهما وعلى سائر المؤمنين ، فلهذا قال { والله وليهما } أي : بولايته الخاصة ، التي هي لطفه بأوليائه ، وتوفيقهم لما فيه صلاحهم وعصمتهم عما فيه مضرتهم ، فمن توليه لهما أنهما لما هما بهذه المعصية العظيمة وهي الفشل والفرار عن رسول الله عصمهما ، لما معهما من الإيمان كما قال تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } ثم قال { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ففيها الأمر بالتوكل الذي هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار ، مع الثقة بالله ، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله ، وأن المؤمنين أولى بالتوكل على الله من غيرهم ، وخصوصا في مواطن الشدة والقتال ، فإنهم مضطرون إلى التوكل والاستعانة بربهم والاستنصار له ، والتبري من حولهم وقوتهم ، والاعتماد على حول الله وقوته ، فبذلك ينصرهم ويدفع عنهم البلايا والمحن .
ثم ذكر - سبحانه - ما راود قلوب بعض المؤمنين من ضعف وفضل ، عندما رأوا زعيم المنافقين عبد الله بن أبى ينخذل بثلث الجيش فقال - تعالى - : { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ والله وَلِيُّهُمَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } .
الهم : هو حديث النفس واتجاهها إلى شىء معين دون أن تأخذ فى تنفيذه فإذا أخذت فى تنفيه صار إرادة وعزماً وتصميماً .
وتفشلا : من الفشل والجبن والخور والضعف . يقال : فشل يفشل فشلا فهو فشل أى جبان ضعيف القلب .
أى : واذكر لهم وقت أن همت طائفتان منكم يا معشر المؤمنين أن تفشلا وتضعفا وتجبنا عن القتال فى وقت الشديدة والكريهة .
وقوله : { والله وَلِيُّهُمَا } أى ناصرهما ويتولى أمرهما .
وهاتان الطائفتان هما بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانتا جناحى الجيش فى يوم أحد .
روى الشيخان عن جابر - رضى الله عنه - قال : فينا نزلت { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ والله وَلِيُّهُمَا } قال : نحن الطائفتان : بنو حارثة وبنو سلمة ، وما نحب أنها لم تنزل لقوله - تعالى - { والله وَلِيُّهُمَا } .
أى : لفوط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله - تعالى - عليهم ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية . وأن ما حدثوا به أنفسهم لم يخرجهم عن ولايته سبحانه لأنهم لم ينساقوا وراء هذا الهم الباطل ، بل سرعان ما عادوا إلى يقينهم وإيمانهم الصادق ، وطاعتهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم .
ولذا قال صاحب الكشاف : والطائفتان حيان من الأنصار : بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس هموا باتباع عبد الله بن أبى عندما انخذل بثلث الناس وقال : يا قوم علام نقتل أنفسنا وأولادنا ! فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن ابن عباس قال : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا . والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس . كما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ، ويوطنها على احتمال المكروه . لو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية " .
وقد ختم - سبحانه - الآية بدعوة المؤمنين إلى التوكل عليه وحده فقال : { وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } .
والتوكل : تفعل من وكل فلان أمره إلى فلان . إذا اعتمد فى كفايته عليه ولم يتوله بنفسه .
والتوكل الحقيقى إنما يكون بعد الأخذ بالأسباب التى شرعها الله - تعالى - ثم بعد ذلك يترك الإنسان النتائج للخالق - عز وجل - يسيرها كيف يشاء . والجملة الكريمة أفادت قصر التوكل على الله وحده ، كما يؤذن به تقديم الجار والمجرور .
أى وعلى الله وحده لا على غيره فليكل المؤمنون أمورهم ، بعد اتخذا الأسباب التى أمرهم - سبحانه - باتخاذها ، فإنهم متى فعلوا ذلك تولاهم - سبحانه - بتأييده ورعايته .
وقوله : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ] {[5623]} } قال البخاري : حدثنا عليّ بنُ عبد الله ، حدثنا سفيان قال : قال عَمْرو : سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ] {[5624]} } قال : نحن الطائفتان بنو حارثَة وبنو سَلَمة ، وما نحِب - وقال سفيان مرة : وما يسرنِي - أنَّها لم تَنزلْ ، لقول{[5625]} الله تعالى : { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } .
وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة{[5626]} به . وكذا قال غيرُ واحد من السَّلَف : إنهم بنو حارثة وبنو سلمةَ .
{ إذ همت } متعلق بقوله : { سميع عليم } أو بدل من إذ غدوت . { طائفتان منكم } بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر . { أن تفشلا } أن تجبنا وتضعفا . روي ( أنه عليه الصلاة والسلام خرج في زهاء ألف رجل ووعد لهم النصر إن صبروا ، فلما بلغوا الشوط انخذل ابن أبي في ثلاثمائة رجل وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري وقال : أنشدكم الله والإسلام في نبيكم وأنفسكم . فقال ابن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . والظاهر أنها ما كانت عزيمة لقوله تعالى : { والله وليهما } أي عاصمهما من اتباع تلك الخطرة ، ويجوز أن يراد الله ناصرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره لينصرهم كما نصرهم ببدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.