تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

واللؤلؤ والمرجان ، ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب ، ولهذا قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

ثم يذكر - سبحانه - بعض نعمه المختبئة فى البحرين فيقول : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } .

و { الُّلؤْلُؤُ } - فى أصله حيوان ، وهو أعجب ما فى البحار ، فهو يهبط إلى الأعماق ، وهو داخل صدفة جيرية تقيه من الأخطار . . . ويفرز مادة لزجة تتجمد مكونة " اللؤلؤ " .

والمرجان - أيضا - حيوان يعيش فى البحار . . . ويكون جزرا مرجانية ذات ألوان مختلفة : صفراء برتقالة ، أو حماء قرنفلية ، أو زرقاء زمردية .

ومن اللؤلؤ والمرجان تتخذ الحلى الغالية الثمن ، العالية القيمة ، التى تتحلى بها النساء . .

والآية الكريمة صريحة فى أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحرين - الملح والعذب - إلا أن كثيرا من المفسرين ساروا على أنه - أى : اللؤلؤ والمرجان - يخرج من أحدهما فحسب ، وه البحر الملح .

قال الآلوسى ما ملخصه : واللؤلؤ صغار الدر ، والمرجان كباره . . . وقيل : العكس .

والمشاهد أن خروج " اللؤلؤ والمرجان " من أحدهما وهو الملح . . . لكن لما التقيا وصارا كالشىء الواحد جاز أن يقال : يخرجان منهما ، كما يقال : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميعه ، ولكن من بعضه ، كما تقول : خرجت من البلد ، وإنما خرجت من محلة من محاله ، بل من دار واحدة من دوره ، وقد يسند إلى الإثنين ما هو لأحدهما ، كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم .

والحق أن ما سار عليه الإمام الآلوسى وغيره : من أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحر الملح لا من البحر العذب ، مخالف لما جاء صريحا فى قوله - تعالى - : { وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا . . } فإن هذه الآية صريحة فى أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من كلا البحرين الملح والعذب ، وقد أثبتت البحوث العلمية صحة ذلك ، فقد عثر عليهما فى بعض الأنهار العذبة ، التى فى ضواحى ويلز واسكتلاندا فى بريطانيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

وقوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } أي : من مجموعهما ، فإذا وجد ذلك لأحدهما {[27861]} كفى ، كما قال تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } [ الأنعام : 130 ] والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن ، وقد صح هذا الإطلاق . واللؤلؤ معروف ، وأما المرجان فقيل : هو صغار اللؤلؤ . قاله مجاهد ، وقتادة ، وأبو رزين ، والضحاك . وروي عن علي .

وقيل : كباره وجيده . حكاه ابن جرير عن بعض السلف . ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن {[27862]} أنس ، وحكاه عن السدي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس . وروي مثله عن علي ، ومجاهد أيضا ، ومرة الهمداني .

وقيل : هو نوع من الجواهر أحمر اللون . قال السدي ، عن أبي مالك ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : المرجان : الخرز الأحمر . قال السدي وهو البُسَّذ{[27863]} بالفارسية .

وأما قوله : { وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [ فاطر : 12 ] ، فاللحم من كل من الأجاج والعذب ، والحلية ، إنما هي من الملح دون العذب .

قال ابن عباس : ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ، فوقعت في صدفة إلا صار منها لؤلؤة . وكذا قال عكرمة ، وزاد : فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة . وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إذا أمطرت السماء ، فتحت الأصداف في البحر أفواهها ، فما وقع فيها - يعني : من قطر - فهو اللؤلؤ .

إسناده {[27864]} صحيح ،


[27861]:- (1) في أ: "أحدهما".
[27862]:- (2) في أ: "عن".
[27863]:- (3) في م، أ: "الكسد".
[27864]:-(4) في م: "إسناد".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ * فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلاَمِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .

يقول تعالى ذكره : يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله ، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان .

واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان ، فقال بعضهم : اللؤلؤ : ما عظم من الدر ، والمرجان : ما صغُر منه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال : اللؤلؤ : العظام .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما اللؤلؤ فعظامه ، وأما المرجان فصغاره ، وإن لله فيهما خزانة دلّ عليها عامة بني آدم ، فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة ، وبُلغة إلى أجل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال : اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ ، والمرجان : الصغار منه .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما المرجان : فاللؤلؤ الصغار ، وأما اللؤلؤ : فما عظُم منه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال : اللؤلؤ : ما عظُم منه ، والمرجان : اللؤلؤ الصغار .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المرجان : هو اللؤلؤ الصغار .

وحدثنا عمرو بن سعيد بن بشار القرشي ، قال : حدثنا أبو قتيبة ، قال : حدثنا عبد الله بن ميسرة الحراني ، قال : ثني شيخ بمكة من أهل الشأم ، أنه سمع كعب الأحبار يُسأل عن المرجان ، فقال : هو البسذ .

قال أبو جعفر : البسذ له شُعَب ، وهو أحسن من اللؤلؤ .

وقال آخرون : المرجان من اللؤلؤ : الكبار ، واللؤلؤ منها : الصغار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، أو قيس بن وهب ، عن مرّة ، قالَ : المرجان : اللؤلؤ العظام .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : المرجان ، قال : ما عظم من اللؤلؤ .

حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : حدثنا زُهير ، عن جابر ، عن عبد الله بن يحيى ، عن عليّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : المرجان : عظيم اللؤلؤ .

وقال آخرون : المرجان : جيد اللؤلؤ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا شريك ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت مرّة عن اللؤلؤ والمرجان قال : المرجان : جيد اللؤلؤ .

وقال آخرون : المرجان : حجر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال : المرجان حجر .

والصواب من القول في اللؤلؤ ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج من أصداف البحر من الحبّ وأما المرجان ، فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعون أنه جمع مرجانة ، وأنه الصغار من اللؤلؤ ، قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم ، والله أعلم بصواب ذلك .

وقد زعم بعض أهل العربية أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين ، ولكن قيل : يخرج منهما ، كما يقال أكلت : خبزا ولبنا ، وكما قيل :

وَرأيْتُ زَوْجَكِ فِي الوَغَى *** مُتَقَلّدا سَيْفا وَرُمْحا

وليس ذلك كما ذهب إليه ، بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر ، عن قطر السماء ، فلذلك قيل : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ يعني بهما : البحران . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : إن السماء إذا أمطرت ، فتحت الأصداف أفواهها ، فمنها اللؤلؤ .

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، قال : حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : إذا نزل القطر من السماء تفتّحت الأصداف فكان لؤلؤا .

حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : ذكر سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف ، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ .

حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري ، قال : أخبرنا محمد بن سوار ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الكوخي بن أخي عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن عكرِمة ، قال : ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلاّ كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة ، فيما يحسب الطبري .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ والمَرْجانُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : «يُخْرَجُ » على وجه ما لم يسمّ فاعله . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، لتقارب معنييهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

وقال ابن عباس وقتادة والضحاك : { اللؤلؤ } : كبار الجوهر { والمرجان } : صغاره . وقال ابن عباس أيضاً ومرة الهمداني{[10817]} عكس هذا ، والوصف بالصغر وهو الصواب في { اللؤلؤ } . وقال ابن مسعود وغيره { المرجان } : حجر أحمر ، وهذا هو الصواب في { المرجان } . و { اللؤلؤ } : بناء غريب لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة : اللؤلؤ والجؤجؤ والدؤدؤ واليؤيؤ وهو طائر ، والبؤبؤ وهو الأصل{[10818]} .

واختلف الناس في قوله : { منهما } فقال أبو الحسن الأخفش في كتابه الحجة ، وزعم قوم أنه قد ينفرج { اللؤلؤ والمرجان } من الملح ومن العذب .

قال القاضي أبو محمد : ورد الناس على هذا القول ، لأن الحس يخالفه ولا يخرج ذلك إلا من الملح وقد رد الناس على الشاعر في قوله : [ الطويل ]

فجاء بها ما شيت من لطمية . . . على وجهها ماء الفرات يموج{[10819]}

وقال جمهور من المتأولين : إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة ، فلذلك قال : { منهما } وهذا مشهور عند الغواصين . وقال ابن عباس وعكرمة : إنما تتكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ، لأن الصدف وغيرها تفتح أجوافها للمطر ، فلذلك قال : { منهما } وقال أبو عبيدة ما معناه : إن خروج هذه الأشياء إنما هي من الملح ، لكنه قال : { منهما } تجوزاً كما قال الشاعر [ عبد الله بن الزبعرى ] : [ مجزوء الكامل مرفّل ]

. . . . . . متقلداً سيفاً ورمحا{[10820]}

وكما قال الآخر :

. . . . . . . علفتها تبناً وماءً بارداً{[10821]}

فمن حيث هما نوع واحد ، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما ، وهذا كما قال تعالى : { سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن }{[10822]} [ نوح : 15-16 ] ، وإنما هو في إحداهن وهي الدنيا إلى الأرض . قال الرماني : العذب فيهما كاللقاح للملح فهو كما يقال : الولد يخرج من الذكر والأنثى .

وقرأ نافع وأبو عمرو وأهل المدينة : «يُخرَج » بضم الياء وفتح الراء . «اللؤلؤُ » رفعاً . وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : «يَخرُج » بضم الياء وفتح الراء على بناء الفعل للفاعل ، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر . وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي عنه : «يُخرِج » بضم الياء وكسر الراء على إسناده إلى الله تعالى ، أي بتمكينه وقدرته ، «اللؤلؤَ » نصباً ، ورواها أيضاً عنه بالنون مضمومة وكسر الراء .


[10817]:هو مرة بن شراحبيل الهمداني-بسكون الميم بعدها دال غير منقوطة-أبو إسماعيل الكوفي، قال في تقريب التهذيب:"هو الذي يقال له: مُرة الطيب، ثقة عابد، من الثانية، مات سنة ست وسبعين، وقيل بعد ذلك".
[10818]:اللؤلؤ: الدر، وهو يتكون في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبة لماعة مستديرة في بعض الحيوانات المائية الدنيا من الرخويات، واحدته: لؤلؤة، وجمعه: لآلئ. والجؤجؤ: مجتمع رءوس عظام الصدر، وصدر السفينة، وجمعه:جآجئ.والدؤدؤ: آخر أيام الشهر، ويقال: ليلة دؤدؤ: شديدة الظلمة، وجمعه:دآدئ، وفي الحديث(ليس عفر الليالي كاداآدي). واليؤيؤ: طائر من جوارح الطير كالباشق، وهو طائرصغير قصير الذنب، وجمعه: يآيى. والبؤبؤ: الأصل، يقال: فلان في بؤبؤ المجد، وقد يكون معناه: وسط الشيء، وكذلك من معانيه: إنسان العين، يقال: هو أعز عليّ من بؤبؤ عيني، أي من إنسانها، وهو في الوقت نفسه وسط العين.
[10819]:هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو من أبيات يصف فيها محبوبته ويشبهها بالدرة الثمينة التي تعبت الغواص في الوصول إليها وسط لُجج الماء، ثم جاء بها بعد كثير من التعب والإرهاق، فالضمير في (فجاء) يعود على الغواص وقد ذكره في الأبيات السابقة، وفي (بها) يعود الضمير على الدرة، واللطيمة: عير تحمل التجارة والعِطر، فإن لم يكن فيها عطر فليست بلطيمة، فجعل الشاعر هذه الدرة تحملها عير اللطيمة، وقوله:(ما شئت من لطيمة) في موضع الحال، أي جاء بها في هذه الحالة. والفُرات: العذب من الماء، ويموج: يضطرب ويتحرك، جعل الماء العذب يتلاطم فوقها، قالوا: وقد أخطأ هنا، فقد ظن أن الدرة إذا كانت في الماء العذب فليس لها شبيه، ولم يعلم أنها لا تكون في الماء العذب، ويروى الشطر الثاني:(تدوم البِحار فوقها وتموج)أي: تسكن فوقها وتتحرك، و(دام) تفيد معنى السكون، ومنه(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، وعلى هذا فلا شاهد في البيت، والرواية الأخيرة هي رواية الديوان.
[10820]:هذا عجز بيت قاله عبد الله بن الزبعري-كما في حواشي الكامل- والبيت بتمامه كما ذكره الفراء في(معاني القرآن): ولقيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا والرواية في خزانة الأدب-نقلا عن المبرد في الكامل- وفي اللسان-قلد-:(يا ليت زوجك قد غدا)، وتقلد الأمر: احتمله، وكذلك تقلد السيف، والمعنى في البيت: متقلدا قد غدا)، وتقلد الأمر: احتمله، وكذلك تقلد السيف، والمعنى في البيت: متقلدا سيفا وحاملا رمحا، قيل: إن الرمح لا يُتقلد لكنه لما جمع الرمح مع السيف حمله على مثل لفظه لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد، وهذا هو معنى كلام المبرد، وقد جعل البيت كقول الشاعر الآخر:(شراب ألباب وسمن وأقط)، فإن اللبن يشرب، ولكن السمن والأقط لا يشربان وإنما يؤكلان، لكنه لما جمع بينها حمل الأخيرين على مثل لفظ الأول لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد.
[10821]:هذا رجز لم يعرف قائله، وفي بعض حواشي نسخة من الصحاح نسب إلى ذي الرمة، قال في الخزانة: وفتشت ديوانه فلم أجده فيه، وقد أورد العلامة الشيرازي، والفاضل اليمني صدرا، وجعلا الجزاء المذكور هنا عجزا، فصار كالآتي: لما حططت الرحل عنها واردا علفتها تبنا وماء باردا وجعله آخرون صدرا، وأوردوا له عجزا فصار كالآتي: علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها والضمير في (علفتها) يرجع إلى الدابة المعهودة، والشاهد أنه عطف الماء على التبن، ولا يقال عن الماء علف، ولهذا قالوا: التقدير: وسقيتها ماء، وقيل: إنه لما جمع الماء مع التبن حمله على مثل لفظه لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد، وهو بهذا كقول الراعي عبيد: إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا إذ أن العيون لا تزجج مثل الحواجب، ولهذا كان التقدير: وكحلن العيونا، أو يقال: إنه لما جمع العيون مع الحواجب حملها على مثل لفظها لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد. وقالوا: إن العرب تجمع الجنسين ثم تخبر عن أحدهما، وقد ورد هذا في القرآن الكريم، قال تعالى:{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم}، فإن الرسل من الإنس فقط.
[10822]:من الآيتين(15، 16) من سورة (نوح).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ} (22)

حال ثالثة . ثم إن كان المراد بالبحرين : بحرين معروفين من البحار الملحة تكون ( من ) في قوله : { منهما } ابتدائية لأن اللؤلؤ والمرجان يكونان في البحر الملح .

وإن كان المراد بالبحرين : البحر الملح ، والبحر العذب كانت ( من ) في قوله : { منهما } للسببية كما في قوله تعالى : { فمن نفسك } في سورة النساء ( 79 ) ، أي يخرج اللؤلؤ والمرجان بسببهما ، أي بسبب مجموعهما . أما اللؤلؤ فأجْودُهُ ما كان في مصبّ الفرات على خليج فارس ، قال الرماني : لما كان الماء العذب كاللقاح للماء الملح في إخراج اللؤلؤ ، قيل : يخرج منهما كما يقال : يتخلق الولد من الذكر والأنثى ، وقد تقدم بيان تَكون اللؤلؤ في البحار في سورة الحج .

وقال الزجّاج : قد ذكرهما الله فإذا خرج من أحدهما شيء فقد خرج منهما وهو كقوله تعالى : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً } [ نوح : 15 ، 16 ] ، والقمر في السماء الدنيا . وقال أبو علي الفارسي : هو من باب حذف المضاف ، أي من أحدهما كقوله تعالى : { على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] أي من إحداهما .

و { المرجان } : حيوان بحري ذو أصابع دقيقة ينشأ ليّناً ثُمَّ يتحجّر ويتلوّن بلون الحمرة ويتصلب كلما طال مكثه في البحر فيستخرج منه كالعروق تتخذ منه حلية ويسمى بالفارسية ( بسَذ ) . وقد تتفاوت البحار في الجيّد من مرجانها . ويوجد ببحر طَبرقَة على البحر المتوسط في شمال البلاد التونسية .

و { المرجان } : لا يخرج من ملتقى البحرين الملح والعذب بل من البحر الملح .

وقيل : المرجان اسم لصغار الدرّ ، واللؤلؤ كباره فلا إشكال في قوله منهما .

وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب { يخرج } بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول . وقرأ الباقون { يخرج بفتح الياء وضم الراء لأنهما إذا أخرجهما الغوّاصون فقد خرجا .

وبين قوله : { مرج } [ الرحمن : 19 ] وقوله : { والمرجان } الجناس المذيّل .