{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا } لا ينبغي لأحد أن يضربه ، وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق ، وأن الأمر المستبعد على قدرة المخلوق مستبعد على قدرة الخالق . فسر هذا المثل [ بقوله ] : { قَالَ } ذلك الإنسان { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } أي : هل أحد يحييها ؟ استفهام إنكار ، أي : لا أحد يحييها بعد ما بليت وتلاشت .
هذا وجه الشبهة والمثل ، وهو أن هذا أمر في غاية البعد على ما يعهد من قدرة البشر ، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه ، ونسيان لابتداء خلقه ، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فوجد عيانا ، لم يضرب هذا المثل .
وقوله - تعالى - : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } معطوف على الكلام المتقدم ، وداخل فى حيز الإِنكار .
أى : أن هذا الإِنسان الجاهل المجادل بالباطل ، لم يكتف بذلك ، بل ضرب لنا مثلاً هو فى غاية الغرابة ، حيث أنكر قدرتنا على إحياء الموتى ، وعلى بعثهم يوم القيامة ، فقال : - دون أن يفطن إلى أصل خلقته - من يحيى العظام وهى رميم ، أى : وهى بالية أشد البلى . فرميم بزنة فعيل بمعنى فاعل . من رَمَّ اللازم بمعنى بَلِىَ ، أو بمعنى مفعول ، من رم المتعدى بمعنى أبْلَى يقال : رمه إذا أبلاه . فيستوى فيه المذكر والمؤنث .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم سمى قوله : { مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } مثلاً ؟
قلت : لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل ، وهى إنكار قدرة الله - تعالى - على إحياء الموتى .
. مع أن ما أنكر من قبيل ما يوصف الله - تعالى - بالقدرة عليه ، بدليل النشأة الأولى . .
أي : استبعد إعادة الله تعالى - ذي القدرة العظيمة التي خلقت{[24879]} السموات والأرض - للأجساد والعظام الرميمة ، ونسي نفسه ، وأن الله خلقه من العدم ، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده .
وقوله : وَضَرَبَ لنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ يقول : ومثّل لنا شبها بقوله : مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد ، يقول : فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق وَنَسِيَ خَلْقَهُ يقول : ونسي خلْقنَا إياه كيف خلقناه ، وأنه لم يكن إلا نطفة ، فجعلناها خلقا سَوِيّا ناطقا ، يقول : فلم يفكر في خلقناه ، فيعلم أن من خلقه من نطفه حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرّفا ، لا يعْجِز أن يعيد الأموات أحياء ، والعظام الرّميم بشَرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ لهذا المشرك القائل لك : من يُحيي العظام وهي رميم يُحْيِيها الّذِي أنشأَها أوّلَ مَرّةٍ يقول : يحييها الذي ابتدع خلْقها أوّل مرّة ولم تكن شيئا وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يقول : وهو بجميع خلقه ذو علم كيف يميت ، وكيف يحيي ، وكيف يبدىء ، وكيف يعيد ، لا يخفى عليه شيء من أمر خلقه .
هذه الآية قال فيها ابن جبير : إنها نزلت بسبب أن المعاصي بن وائل السهمي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم ففته وقال : يا محمد من يحيي هذا ؟ وقال مجاهد وقتادة : إن الذي جاء بالعظم النخر أمية بن خلف ، وقاله الحسن ذكره الرماني ، وقال ابن عباس : الجائي بالعظم هو عبد الله بن أبي ابن سلول .
قال القاضي أبو محمد : وهو وهم ممن نسبه إلى ابن عباس لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة ، واسم أبي هو الذي خلط على الرواة ، لأن الصحيح هو ما رواه ابن وهب عن مالك ، وقاله ابن إسحاق وغيره ، من أن أبي بن خلف أخا أمية بن خلف هو الذي جاء بالعظم الرميم بمكة ففته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وحياله ، وقال من يحيى هذا يا محمد ؟ ولأبي مع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات ومقالات إلى أن قتله يوم أحد بيده بالحربة بجرح في عنقه ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين فت العظم «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم »{[9821]} ثم نزلت الآية مبينة ومقيمة للحجة في أن الإنسان نطفة ثم يكون بعد ذلك خصيماً مبيناً هل هذا إلا إحياء بعد موت وعدم حياة ، وقوله { ونسي } يحتمل أن يكون نسيان الذهول ويحتمل أن يكون نسيان الترك ، و «الرميم » البالي المتفتت ، وهو الرفات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.