تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ْ }

اعلم أن الأمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه ، فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه ، وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان ، كقوله تعالى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ ْ } الآية .

وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد ، ومنه ما ذكره الله في هذه الآية من أمر المؤمنين بالإيمان ، فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم من الإخلاص والصدق ، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات .

ويقتضي أيضا الأمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الإيمان وأعماله ، فإنه كلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك من الإيمان المأمور به .

وكذلك سائر الأعمال الظاهرة والباطنة ، كلها من الإيمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ، وأجمع عليه سلف الأمة .

ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ْ } وأمر هنا بالإيمان به وبرسوله ، وبالقرآن وبالكتب المتقدمة ، فهذا كله من الإيمان الواجب الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به ، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل ، فمن آمن هذا الإيمان المأمور به ، فقد اهتدى وأنجح . { وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ْ } وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم ، وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم ؟ "

واعلم أن الكفر بشيء من هذه المذكورات كالكفر بجميعها ، لتلازمها وامتناع وجود الإيمان ببعضها دون بعض ، ثم قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين أن يثبتوا على إيمانهم فقال : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ } أى : يأيها المؤمنون اثتبوا على إيمانكم وداوما على تصديقكم بوحدانية الله - تعالى - وعلى تصديقكم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذى نزله الله - تعالى - عليه وهو القرآن ، وبالكتاب الذى أنزله الله - تعالى - على الرسول الذين أرسلهم من قبله .

والمراد بالكتاب الذى أنزله على الرسل من قبله جنس الكتب السماوية كالتوراة والإِنجيل والزبور .

ثم بين - سبحانه - سوء مصير من يكفر بشئ مما يجب الإِيمان به فقال - تعالى - : { وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } .

أى : ومن يكفر بالله بأن الله بأن يجحد وحدانيته وألوهيته ، ولا يخلص له العبادة ، ويكفر بملائكته بأن ينكر بأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ويكفر بكتبه التى أنزلها - سبحانه ، على أنبيائه ، وبرسوله الذين أرسلهم لهداية الخلق . وباليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، من يكفر بكل ذلك فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن السبيل القويم بعداً كبيراً ، لأنه بكفره بذلك يكون قد خالف الفطرة ، وانحرف عما يقتضيه العقل السليم ، وأوغل فى الشرور والآثام إيغالا شديدا ، يؤدى به إلى خزى الدنيا وعذاب الآخرة .

وبعد هذه الأوامر السديدة للمؤمنين . عادت السورة الكريمة إلى تحذيرهم من أعدائهم ومن المنافقين ، فكشفت لهم عن طبيعتهم ، ونهتهم عن القعود معهم ، وبينت لهم أنماطا من خداعهم ، وألوانا من أخلاقهم الذميمة ، وأخبرتهم عن سوء مصير أولئك المنافقين فى الغى والضلال .

واستمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى كل ذلك بأسلوبها الحكيم فتقول { إِنَّ الذين آمَنُواْ . . . . شَاكِراً عَلِيماً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه ، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل ، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه . كما يقول المؤمن في كل صلاة : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] أي : بَصِّرنا فيه ، وزدنا هدى ، وثبتنا عليه . فأمرهم بالإيمان به وبرسوله ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ } [ الحديد : 28 ] .

وقوله : { وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ } يعني : القرآن { وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ } وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة ، وقال في القرآن : { نزلَ } ؛ لأنه نزل مفرقا منجما على الوقائع ، بحسب ما يحتاج إليه العباد إليه في معادهم ومعاشهم ، وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة ؛ ولهذا قال : { وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ } ثُمَّ قَالَ { وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا } أي : فقد خرج عن طريق الهدى ، وبعد عن القصد كل البعد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي نَزّلَ عَلَىَ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِيَ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } : بمن قَبل محمد من الأنبياء والرسل ، وصدّقوا بما جاءوهم به من عند الله . { آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ } يقول : صدّقوا بالله ، وبمحمد رسوله ، أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم . { والكِتابِ الّذِي نَزّلَ على رَسُولِهِ } يقول : وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه ، وذلك القرآن . { وَالكِتابِ الّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } يقول : وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزّله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل .

فإن قال قائل : وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه وقد سماهم مؤمنين ؟ قيل : إنه جلّ ثناؤه لم يسمهم مؤمنين ، وإنما وصفهم بأنهم آمنوا ، وذلك وصف لهم بخصوص من التصديق ، وذلك أنهم كانوا صنفين : أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها ، وهم مكذّبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما¹ وصنف أهل إنجيل وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب ، مكذّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان . فقال جلّ ثناؤه لهم : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } يعني : بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل ، { آمِنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم ، { والكِتابِ الّذِين نَزّلَ على رَسُولِهِ } فإنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله تجدون صفته في كتبكم ، { وَبالكِتابِ الّذِين أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } الذي تزعمون أنكم به مؤمنون ، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذّبون ، لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به ، فآمنوا بكتابكم في اتباعكم محمدا ، وإلا فأنتم به كافرون . فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به ، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } .

وأما قوله : { وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } فإن معناه : ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فيجحد نبوّته ، فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر ، لأن جحود الشيء من ذلك بمعنى جحوده جميعه¹ وذلك لأنه لا يصحّ إيمان أحد من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به ، والكفر بشيء منه كفر بجميعه ، فلذلك قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } بعقب خطابه أهل الكتاب ، وأمره إياهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم تهديدا منه لهم ، وهم مقرّون بوحدانية الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الاَخر سوى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الفرقان . وأما قوله : { فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا } فإنه يعني : فقد ذهب عن قصد السبيل ، وجار عن محجة الطريق إلى المهالك ذهابا وجورا بعيدا ، لأن كفر من كفر بذلك خروج منه عن دين الله الذي شرعه لعباده ، والخروج عن دين الله : الهلاك الذي فيه البوار ، والضلال عن الهدى هو الضلال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (136)

اختلف الناس فيمن خوطب بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله } فقالت فرقة : الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى من أهل الكتابين ، أي : يا من قد آمن بنبي من الأنبياء ، آمن بمحمد عليه السلام ورجح الطبري هذا القول : وقيل : الخطاب للمؤمنين على معنى : ليكن إيمانكم هكذا على الكمال والتوفية بالله تعالى وبمحمد عليه السلام وبالقرآن وسائر الكتب المنزلة ، ومضمن هذا الأمر الثبوت والدوام ، وقيل : الخطاب للمنافقين ، أي : يا أيها الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم ، ليكن إيمانكم حقيقة على هذه الصورة ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر ، «نُزِّل » بضم النون وكسر الزاي المشددة على ما لم يسم فاعله ، وكذلك قرؤوا «والكتاب الذي أُنزل من قبل » بضم الهمزة وكسر الزاء على ما لم يسم فاعله ، وقرأ الباقون «نَزل وأنزل » بفتح النون والزاي وبفتح الهمزة في «أَنزل » على إسناد الفعلين إلى الله تعالى ، وروي عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو ، { والكتاب } المذكور أولاً هو القرآن ، والمذكور ثانياً هو اسم جنس لكل ما نزل من الكتاب ، وقوله تعالى : { ومن يكفر بالله } إلى آخر الآية وعيد وخبر ، مضمنة تحذير المؤمنين من حالة الكفر .