تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

فالله تعالى ، دعا جميع العباد إلى الإنابة إليه والتوبة من التقصير ، فانقسموا -بحسب الاستجابة له- إلى قسمين : مستجيبين وصفهم بقوله { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }

أي : يستجيبون لربهم لما دعاهم إليه وينقادون له ويلبون دعوته ، لأن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح يحملهم على ذلك ، فإذا استجابوا له ، شكر الله لهم ، وهو الغفور الشكور .

وزادهم من فضله توفيقا ونشاطا على العمل ، وزادهم مضاعفة في الأجر زيادة عن ما تستحقه أعمالهم من الثواب والفوز العظيم .

وأما غير المستجيبين للّه وهم المعاندون الذين كفروا به وبرسله ، ف { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الدنيا والآخرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

وقوله - تعالى - : { وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } معطوف على قوله : { يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ } .

أى : ويستجيب سبحانه من الذين آمنوا دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه ، بأن يعطيهم من النعم والخيرات أكثر مما سألوا .

قال الآلوسى ما ملخصه : والموصول مفعول بدون تقدير شئ ، بناء على أن { يَسْتَجِيبُ } يتعدى بنفسه ، كما يتعدى باللام ، نحو شكرته وشكرت له ، أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإِيصال ، والأصل : ويستجيب للذين آمنوا . .

{ والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أى : هذا هو حال المؤمنين يجيب لهم - سبحانه - دعاءهم ، ويزيدهم من فضله وإحسانه . . . أما الكافرون الذين ستروا نعمه ، وجحدوا فضله ، فلهم عذاب شيدد لا يعلم مقداره إلا هو- سبحانه - .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

وقوله : { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } قال السدي : يعني يستجيب لهم . وكذا قال ابن جرير : معناه يستجيب الدعاء لهم{[25871]} [ لأنفسهم ] {[25872]} ولأصحابهم وإخوانهم . وحكاه عن بعض النحاة ، وأنه جعلها كقوله : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } [ آل عمران : 195 ] .

ثم روى هو وابن أبي حاتم ، من حديث الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة قال : خطبنا معاذ بالشام فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة . والله إني أرجو أن يدخل الله من تسبون من فارس والروم الجنة ، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له - يعني أحدُهم عملا - قال : أحسنت رحمك {[25873]} الله ، أحسنت بارك الله فيك ، ثم قرأ : { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ }

وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل{[25874]} [ مثل ]{[25875]} قوله : { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا } كقوله : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ } [ الزمر : 18 ] أي : هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه ، كقوله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } [ الأنعام : 36 ] والمعنى الأول أظهر ؛ لقوله {[25876]} تعالى : { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } أي : يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم :

حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا بقية ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق عن عبد الله{[25877]} قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } قال : " الشفاعة لمن وجبت له النار ، ممن صنع إليهم معروفا {[25878]} في الدنيا " {[25879]} .

وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله تعالى : { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } قال : يشفعون في إخوانهم ، { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } قال : يشفعون في إخوان إخوانهم .

وقوله : { وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ، ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم .


[25871]:- (9) في ت، م: "لهم الدعاء".
[25872]:- (10) زيادة من ت، م.
[25873]:- (11) في ت، م، أ: "يرحمك".
[25874]:- (1) في ت، م: "جعله".
[25875]:- (2) زيادة من ت، أ.
[25876]:- (3) في ت: "كقوله".
[25877]:- (4) في ت: "روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الله".
[25878]:- (5) في أ: "المعروف".
[25879]:- (6) ورواه أبي عاصم في السنة برقم (846) من طريق محمد بن مصفى عن بقية به، وفي إسناده إسماعيل الكندي. قال الذهبي في الميزان (1/235): "عن الأعمش، وعنه بقية، بخبر عجيب منكر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، قال : حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة ، قال : خطبنا معاذ ، فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت غفر الله لك ، ثم قرأ : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ .

وقوله : وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالى ذكره : ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم ، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه ، بأن يعطيهم ما لم يسألوه . وقيل : إن ذلك الفضل الذي ضمن جلّ ثناؤه أن يزيدهموه ، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم ، فشفعوا فيهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابيّ ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن إبراهيم النخعيّ في قول الله عزّ وجلّ : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال : يُشَفّعون في إخوانهم ، ويزدهم من فضله ، قال : يشفعون في إخوان إخوانهم .

وقوله : والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول جلّ ثناؤه : والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به .

واختلف أهل العربية في معنى قوله : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا فقال بعضهم : أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين ، فالذين في قوله رفع ، والفعل لهم . وتأويل الكلام على هذا المذهب : واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به ، والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك .

وقال آخر منهم : بل معنى ذلك : ويجيب الذين آمنوا . وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما الرفع ، بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . والاَخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا .

وقال بعض نحويي الكوفة : وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا يكون «الذين » في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . وقد جاء في التنزيل : فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ والمعنى : فأجاب لهم ربهم ، إلا أنك إذا قلت استجاب ، أدخلت اللام في المفعول وإذا قلت أجاب حذفت اللام ، ويكون استجابهم ، بمعنى : استجاب لهم ، كما قال جلّ ثناؤه : وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ والمعنى والله أعلم : وإذا كالوا لهم ، أو وزنوا لهم يُخْسِرُونَ . قال : ويكون «الذين » في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم ، أي الذين آمنوا يستجيبون لله ، ويزيدهم على إجابتهم ، والتصديق به من فضله . وقد بيّنا الصواب في ذلك من القول على ما تأوّله ومن ذكرنا قوله فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

{ ويستجيب الذين آمنوا وعلموا الصالحات } أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في { وإذا كالوهم } والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الدعاء الحمد لله " ، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها . { ويزيدهم من فضله } على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة . { والكافرون لهم عذاب شديد } بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

وقوله تعالى : { ويستجيب } قال الزجاج وغيره معناه : يجيب ، والعرب تقول : أجاب واستجاب بمعنى ومنه قول الشاعر [ كعب بن سعد الغنوي ] : [ الطويل ]

وداع دعا يا من يجيب الندا . . . فلم يستجبه عند ذاك مجيب{[10140]}

و : { الذين } على هذاا لقول مفعول ب { يستجيب } ، وروي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه{[10141]} ونحوه عن ابن عباس ، وقالت فرقة المعنى : ويستدعي الذين آمنوا الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة .

ودل قوله : { ويزيدهم من فضله } على أن المعنى فيجيبهم ، وحملت هذه الفرقة استجاب على المعهود من باب استفعل ، أي طلب الشيء . و : { الذين } على هذا القول فاعل ب { يستجيب } . وقالت فرقة : المعنى ويجيب المؤمنون ربهم ، ف { الذين } : فاعل بمعنى يجيبون دعوة شرعه ورسالته . والزيادة من فضله : هي تضعيف الحسنات ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هي قبول الشفعات في المذنبين والرضوان »{[10142]} .


[10140]:هذا البيت لكعب بن سعد الغنوي، وهو من قصيدة طويلة ذكرها الأصمعي في الأصمعيات مقسمة إلى قصيدتين، وفي جمهرة أشعار العرب منسوبة إلى "محمد بن سعد الغنوي"، وهو خطأ واضح، وقد قالها كعب في رثاء أخيه أبي المغوار الذي قتل في وقعة ذي قار. وفيها كلام كثير، قال عنها الأصمعي: "ليس في الدنيا مثلها"، وقال أبو هلال العسكري: "ليس العرب مرثية أجود منها"، - راجع الموشح- وديوان المعاني، والأصمعيات، والجمهرة، ومنتهى الطلب، والسمط، وغيرها- والبيت في لسان العرب، وبعده يقول: فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة لعل أبا المغوار منك قريب قال في اللسان: "والإجابة: رجع الكلام، تقول: أجابه إجابة واستجابه واستجاب له، قال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار... ثم ذكر البيت".
[10141]:روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث الأعمش، عن سلمة بن سبرة، قال: خطبنا معاذ رضي الله تعالى عنه بالشام فقال: "أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له- يعني أحدهم- عملا قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت بارك الله فيك، ثم قرأ: {ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله}، ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، وزاد السيوطي في الدر المنثور نسبة الحديث إلى ابن المنذر، والحاكم، وقال: إنه صحح الحديث.
[10142]:ذكر ابن كثير في تفسيره أن ابن أبي حاتم أخرجه من طريق الأعمش عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ويزيدهم من فضله} قال: "الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفا في الدنيا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

والاستجابة : مبالغة في الإجابة ، وخُصت الاستجابة في الاستعمال بامتثال الدعوةِ أو الأمر . وظاهر النظم أن فاعل { يستجيب } ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير { وهو الذي يقبل التوبة } وأن { الذين آمنوا } مفعول { يستجيب } وأن الجملة معطوفة على جملة { يقبل التوبة } .

والغالب في الاستعمال أن يقال : استجاب له ، كقوله : { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] وقد يحذفون اللام فيعدُّونه بنفسه ، كقول كعب بن سعد :

ودَاعٍ دَعا يَا من يجيب إلى الندا *** فلم يستجبه عند ذَاك مجيب

والمعنى : أن الله يستجيب لهم ما يرجونه منه من ثواب ، وما يدْعُونه .

ويجوز أن يكون { الذين آمنوا } فعل { يستجيب } أي يستجيبون لله فيطيعونه وتكون جملة { ويستجيب } عطفاً على مجموع جملة { وهو الذي يقبل التوبة } ، أي ذلك شأنه وهذا شأن عباده المؤمنين .

ومعنى { ويزيدهم من فضله } على الوجهين أنه يعطيهم ما أمَّلوا من دعائهم وعملهم وأعظم مما أملوا حين استجابوا له ولرسوله ، وأنه يعطيهم من الثواب أكثر مما عملوا من الصالحات إذ جعل لهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف كما في الحديث ، وأنه يعطيهم من خير الدنيا ما لم يسألوه إياه كل ذلك لأنه لطيف بهم ومدبر لمصالحهم .

ولما كانت الاستجابة والزيادة كرامةً للمؤمنين ، أظهر اسم { الذين آمنوا } وجيء به مَوْصُولاً للدلالة على أن الإيمان هو وجه الاستجابة لهم والزيادة لهم .

وجملة { والكافرون لهم عذاب شديد } اعتراض عائد إلى ما سبق من قوله : { ترى الظالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم } [ الشورى : 22 ] توكيداً للوعيد وتحذيراً من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ} (26)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض...

وقوله:"وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه، بأن يعطيهم ما لم يسألوه. وقيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جلّ ثناؤه أن يزيدهموه، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم، فشفعوا فيهم... وقوله: "والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ "يقول جلّ ثناؤه: والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي يجيب الذين آمنوا بما يدعون ويسألون ربهم، وهو كقوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعانِ} [البقرة: 186] أي يجيبهم على الذي ذكر في الآية.

{ويزيدهم من فضله} أي يزيدهم من فضله وهو قوله صلى الله عليه وسلم:] (ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) [البخاري 3244 ومسلم 2824]، وهي الجنة، وذلك زيادة من فضله.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي يطيع الّذين آمنوا ربّهم في قول بعضهم. جعل الفعل للّذين آمنوا، وقال الآخرون: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ) جعلوا الإجابة فعل الله تعالى، وهو الأصوب والأعجب إليَّ لأنّه وقع بين فعلين لله تعالى: الأول قوله: {يَقْبَلُ} والثاني {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ}، ومعنى الآية: ويجيب الله المؤمنين إذا دعوه، وقيل: معناه نجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قيل: الاستجابة موافقة عمل العامل ما يدعو اليه، لأجل دعائه إليه، فلما كان المؤمن يوافق بعمله ما يدعو النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل دعائه كان مستجيبا له، وكذلك من وافق بعمله داعي عقابه كان مستجيبا للداعي بالفعل. وقيل: معناه ويستجيب دعاء المؤمنين، ولا يستجيب دعاء الكافرين، لأنه ثواب، ولا ثواب للكافرين.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا دَعَوْه استجابَ لهم بعظيم الثواب في الآخرة.

{وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} يقول المفسرون من أهل السُّنَّة في هذه الزيادة إنها الرؤية.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(ويزيدهم من فضله) أي: الثناء الحسن في الدنيا، وقيل: الشفاعة في الآخرة، والمعروف مضاعفة الحسنات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إن قالوا تخصيص المؤمنين بإجابة الدعاء هل يدل على أنه تعالى لا يجيب دعاء الكفار؟ قلنا قال بعضهم لا يجوز لأن إجابة الدعاء تعظيم، وذلك لا يليق بالكفار وقيل يجوز على بعض الوجوه، وفائدة التخصيص أن إجابة دعاء المؤمنين تكون على سبيل التشريف، وإجابة دعاء الكافرين تكون على سبيل الاستدراج،...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{والكافرون} أي العريقون في هذا الوصف، الذين منعتهم عراقتهم من التوبة والإيمان. {لهم عذاب شديد} ولا يجيب دعاءهم، فغيرهم من العصاة لهم عذاب غير لازم التقيد بشديد، والآية من الاحتباك: ذكر الاستجابة أولاً دليلاً على ضدها ثانياً، والعذاب ثانياً دليلاً على ضده أولاً، وسره أنه ذكر الحامل على الطاعة والصاد عن المعصية.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستجابة: مبالغة في الإجابة، وخُصت الاستجابة في الاستعمال بامتثال الدعوةِ أو الأمر، وظاهر النظم أن فاعل {يستجيب} ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير {وهو الذي يقبل التوبة} وأن {الذين آمنوا} مفعول {يستجيب} وأن الجملة معطوفة على جملة {يقبل التوبة}.

والغالب في الاستعمال أن يقال: استجاب له، كقوله: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقد يحذفون اللام فيعدُّونه بنفسه...

وجملة {والكافرون لهم عذاب شديد} اعتراض عائد إلى ما سبق من قوله: {ترى الظالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم} [الشورى: 22] توكيداً للوعيد وتحذيراً من الدوام على الكفر بعد فتح باب التوبة لهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قد تمّ ذكر تفاسير مختلفة للأمر الذي سيستجيبه من المؤمنين، حيث أن بعض المفسّرين حدد ذلك في طلبات معينة، منها: أنّه سيستجيب دعاء المؤمنين أحدهم للآخر. ومنها أنّه سيقبل عباداتهم وطاعاتهم. ومنها أن ذلك مختص بشفاعتهم لاخوانهم. ولكن لا يوجد أي دليل على هذا التحديد، حيث أن الخالق سيستجيب أي طلب للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والأكثر من ذلك فإنّه سيهبهم من فضله أُموراً قد لا تخطر على بالهم ولم يطلبوها، وهذا غاية اللطف والرحمة الإلهية بخصوص المؤمنين...