تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

أي : قل لهم يا محمد { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ } أي : مكة المكرمة التي حرمها وأنعم على أهلها فيجب أن يقابلوا ذلك بالشكر والقبول . { وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } من العلويات والسفليات أتى به لئلا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده . { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } {[598]} أي : أبادر إلى الإسلام ، وقد فعل صلى الله عليه وسلم فإنه أول هذه الأمة إسلاما وأعظمها استسلاما .


[598]:- سبق قلم الشيخ -رحمه الله- فكتب: (وأمرت أن اكون أول المسلمين) وعلى هذا فسر الآية.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

ثم يأمر الله - تعالى - نبيه أن يعلن للناس منهجه فى دعوته فيقول : { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ . . } .

والمراد بالبلدة الذى حرمها : مكة المكرمة التى عظم الله - تعالى - حرمتها ، فجعلها حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يصاد فيها صدم ، ولا يعضد فيها شجر . وقوله : { الذي حَرَّمَهَا } صفة للرب .

وخصت مكة بالذكر : تشريفا لها ، ففيها البيت الحرام الذى هو أول بيت وضع فى الأرض .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : إن الله - تعالى - أمرنى أن أخلص لله - سبحانه - عبادتى ، فهو رب البلد الحرام مكة ، ورب كل شىء ، وله جميع ما فى هذا الكون خلقا ، وملكا ، وتصرفا .

{ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن } أى : وأمرنى كذلك أن أكون من الثابتين على دينه ، المنقادين لأمره ، المسلمين له وجوههم ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

يقول تعالى مخبرًا رسوله وآمرًا له أن يقول : { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } ، كَمَا قَالَ : { قُلْ{[22210]} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } [ يونس : 104 ] .

وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها ، كما قال : { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } [ قريش : 3 ، 4 ] .

وقوله : { الَّذِي حَرَّمَهَا } أي : الذي إنما صارت حرامًا قدرًا وشرعًا ، بتحريمه لها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يُعضَد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لُقَطَتُه إلا لِمَنْ عرفها ، ولا يختلى خلاها " الحديث بتمامه . وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع{[22211]} ، كما هو مبين في موضعه من{[22212]} كتاب الأحكام ، ولله الحمد .

وقوله : { وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } : من باب عطف العام على الخاص ، أي : هو رب هذه البلدة ، ورب كل شيء ومليكه ، { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له .


[22210]:- في هـ : "قال" والمثبت من ف ، أ.
[22211]:- صحيح البخاري برقم (1834) وصحيح مسلم برقم (1353) وسنن أبي داود برقم (2018) وسنن الترمذي برقم (1590) وسنن النسائي (5/203) والمسند (1/259).
[22212]:- في ف : "في".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الّذِي حَرّمَهَا وَلَهُ كُلّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد قُلِ إنّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعُبُدَ رَبّ هِذِهِ الْبَلْدَةِ وهي مكة الّذِي حَرّمَهَا على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما ، أو يظلموا فيها أحدا ، أو يُصادَ صَيدُها ، أو يتخلى خلاها دون الأوثان التي تعبدونها أيها المشركون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : إنّمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها يعني : مكة .

وقوله : وَلَهُ كُلّ شَيْءٍ يقول : ولربّ هذه البلدة الأشياء كلها ملكا ، فإياه أمرت أن أعبد ، لا من لا يملك شيئا . وإنما قال جلّ ثناؤه : رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها فخصها بالذكر دون سائر البلدان ، وهو ربّ البلاد كلها ، لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين هم أهل مكة ، بذلك نعمته عليهم ، وإحسانه إليهم ، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرّم بلدهم ، فمنع الناس منهم ، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا ، ويقتل بعضهم بعضا ، لا من لم تجر له عليهم نعمة ، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضرّ . وقوله : وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ يقول : وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفا ، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله إبراهيم وجدكم أيها المشركون ، لا من خالف دين جدّه المحقّ ، ودان دين إبليس عدوّ الله .