فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

{ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين91 وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين92 وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون93 } .

كأن قبل الآية الكريمة الأولى : { إنما أمرت . . } محذوفا ، تقديره : قل ، ولعل المعنى : قل- بعد أن بينت لهم أحوال المبدأ والمعاد ، وشرح أحوال وأهوال السؤال والحساب ، والجزاء والثواب- : إني أمرت أن أعبد الله . . فاعبدوه تهتدوا وتفلحوا ، { . . أن أعبد رب هذه البلدة } أن أكون عبدا معظما لرب مكة أم القرى ، مطيعا له ، شاكرا لأنعمه ، حفيظا على أماناته ، مبلغا لرسالاته ، معظما لشعائره وحرماته ، { الذي حرمها وله كل شيء } فهو الذي جعل هذا البلد آمنا كل من دخله أو جاوره ، وبهذا امتن على جيران بيته العتيق- زاده الله تشريفا وتكريما وعزا ومهابة- : )أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم . . ( {[2983]} ) . . ومن دخله كان آمنا . . ( {[2984]} )فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف( {[2985]} ، ولربنا الذي جعل الكعبة البيت الحرام قياما للناس ، وحرم مكة لا يصاد صيدها ، ولا يقطع نبتها إلا لحاجة ، في الصحيحين عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه " ، فبهذا أمن الإنسان والحيوان ، بل والنبات في هذا البلد الأمين- لربنا كل شيء خلقا وملكا وتصرفا ، من غير أن يشاركه سبحانه شيء في شيء من ذلك .

{ وأمرت أن أكون من المسلمين } وأمرني ربي أن أثبت على ما كنت عليه- من كوني من جملة الثابتين على ملة الإسلام والتوحيد ، والذين أسلموا وجوههم لله تعالى خالصة-{[2986]} .


[2983]:سورة العنكبوت. من الآية 67.
[2984]:سورة آل عمران. من الآية 97.
[2985]:سورة قريش. الآيتان.3-4.
[2986]:ما بين العارضتين من روح المعاني.