البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

ثم أمر تعالى نبيه أن يقول : { إنما أمرت } ، والآمر هو الله تعالى على لسان جبريل ، أو دليل العقل على وحدانية الله تعالى .

{ أن أعبد } : أي أفرده بالعبادة ، ولا أتخذ معه شريكاً ، كما فعلت قريش ، وهذه إشارة تعظيم كقوله : { وهذا كتاب أنزلناه } هذا ذكر من معي من حيث هي موطن نبيه ومهبط وحيه .

والبلدة : مكة ، وأسند التحريم إليه تشريفاً لها واختصاصاً ، ولا تعارض بين قوله : { الذي حرمها } ، وقوله عليه السلام : « إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة » ، لأن إسناد ذلك إلى الله من حيث كان بقضائه وسابق علمه ، وإسناده إلى إبراهيم من حيث كان ظهور ذلك بدعائه ورغبته وتبليغه لأمته .

وفي قوله : { حرمها } ، تنبيه بنعمته على قريش ، إذ جعل بلدتهم آمنة من الغارات والفتن التي تكون في بلاد العرب ، وأهلك من أرادها بسوء .

وقرأ الجمهور : الذي : صفة للرب .

وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس : التي حرمها : صفة للبلدة ، ولما أخبر أنه مالك هذه البلدة ، أخبر أنه يملك كل شيء فقال : { وله كل شيء } ، أي جميع الأشياء داخلة في ربوبيته ، فشرفت البلدة بذكر اندراجها تحت ربوبيته على جهة الخصوص ، وعلى جهة العموم .

{ وأمرت أن أكون من المسلمين } : أي من المستسلمين المنقادين لأمر الله ، فاعبده كما أمرني ، أو من الحنفاء الثابتين على ملة الإسلام المشار إليهم في قوله : { هو سماكم المسلمين } ،