فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَيۡءٖۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (91)

{ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } لما فرغ سبحانه من بيان أحوال المبدأ والمعاد ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة تنبيها لهم على أنه قد تم أمر الدعوة ، بما لا يزيد عليه . ولم يبق له بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله ، والاستغراق في مراقبته ، غير مبال بهم ضلوا أو أرشدوا أصلحوا أو أفسدوا ، ليحملهم ذلك على أن يهتموا بأمر أنفسهم ، ويشتغلوا بالتدبر فيما شاهدوه من الآيات الباهرة .

والمعنى قل يا محمد : إنما أمرت أن أخصص الله بالعبادة وحده لا شريك له ، والمراد بالبلدة مكة ، قاله ابن عباس ، وإنما خصها من بين سائر البلاد لكون بيت الله الحرام فيها ، ولكونها أحب بلدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ الذي } الموصول صفة للرب ، وهكذا قرأ الجمهور ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود ( التي ) على أن الموصول صفة للبلدة ، والسياق إنما هو للرب لا للبلدة ، فلذلك كانت قراءة عامة واضحة ، ومعنى حرمها جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ، ولا يظلم فيها أحد ، ولا يعضد شوكها ، ولا يصاد صيدها ، ولا يختل خلالها ، تخصيص مكة بهذه الإضافة تشريف لها ، وتعظيم لشأنها فلا ينافي قوله { وله } أي للرب { كل شيء } من الأشياء خلقا وملكا وتصرفا .

{ وأمرت أن أكون من المسلمين } أي : المنقادين لأمر الله المستسلمين له بالطاعة وامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، والمراد بقوله ( أن أكون ) اثبت على ما أنا عليه .