{ 12 - 14 } { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }
لما ذكر فضله على داود عليه السلام ، ذكر فضله على ابنه سليمان ، عليه الصلاة والسلام ، وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره ، وتحمله ، وتحمل جميع ما معه ، وتقطع المسافة البعيدة جدا ، في مدة يسيرة ، فتسير في اليوم ، مسيرة شهرين . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } أي : أول النهار إلى الزوال { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } من الزوال ، إلى آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } أي : سخرنا له عين النحاس ، وسهلنا له الأسباب ، في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها .
وسخر اللّه له أيضا ، الشياطين والجن ، لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره ، { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }
هذا ما أعطاه الله - تعالى - لنبيه داود من فضل ، أما نبيه سليمان بن داود ، فقد أعطاه - سبحانه - أفضالا أخرى ، عبر عنها فى قوله - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } .
والغدوة والغداة : أول النهار إلى الزوال . والرواح من الزوال إلى الغروب .
والمعنى : وسخرنا لنبينا سليمان بن داود - عليهما السلام - الريح ، تجرى بأمره فى الغدوة الواحدة مسيرة شهر ، وتعود بأمره فى الروحة الواحدة مسيرة شهر . أى : أنها لسرعتها تقطع فى مقدار الغدوة الواحدة ما يقطعه الناس فى شهر من الزامن ، وكذلك الحال بالنسبة للروحة الواحدة ، وهى فى كل مرة تسير بأمر سليمان ، ووفق إرادته التى منحه الله - تعالى - إياها .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا } وقوله - سبحانه - : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } ثم بين - تعالى - نعمة ثانية من النعم التى أنعم بها على سليمان فقال : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر } .
والقطر : هو النحاس المذاب . مأخوذ من قطَر الشئ يَقْطُر قَطْراً وقطَرانا ، إذا سال .
أى : كما ألنا لداود الحديد ، أسلنا لابنه سليمان النحاس وجعلناه مذابا ، فكان يستعمله فى قضاء مصالحه ، كما يستعمل الماء ، وهذا كله بفضلنا وقدرتنا .
ثم بين - سبحانه - نعمة ثالثة أنعم بها على سليمان - عليه السلام - فقال : { وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } .
أى : وسخرنا له من الجن من يكونون فى خدمته ، ومن يعملون بين يديه ما يريده منهم ، وهذا كله بأمرنا ومشيئتنا وقدرتنا .
{ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أى : من ينحرف من هؤلاء الجن عما أمرناه به من طاعة سليمان ، { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير } أى : ننزل به عذابنا الأليم ، الذى يذله ويخزيه فى الدنيا والآخرة .
لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود ، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان{[24175]} ، من تسخير الريح له تحمل بساطه ، غدوها شهر ورواحها شهر .
قال الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذّى{[24176]} بها ، ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل ، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع ، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع .
وقوله : { وَأَسَلْنَا لَهُ{[24177]} عَيْنَ الْقِطْرِ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، وقتادة ، والسدي ، ومالك عن زيد بن أسلم ، و{[24178]} عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد : القطر : النحاس . قال قتادة : وكانت باليمن ، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان ، عليه السلام .
قال السدي : وإنما أسيلت له ثلاثة أيام .
وقوله : { وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي : وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله ، أي : بقدره {[24179]} ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك . { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أي : ومَنْ يعدل ويخرج منهم عن الطاعة { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } وهو الحريق .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نُفَير{[24180]} ، عن أبي ثعلبة الخُشَنيّ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الجن على ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون » . رفعه غريب جدًا . {[24181]}
وقال{[24182]} أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا حَرْمَلة ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني بكر{[24183]} بن مُضَر ، عن محمد ، عن ابن أنعم أنه قال : الجن ثلاثة : صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب .
قال بكر بن مضر : ولا أعلم إلا أنه قال : حدثني أن الإنس ثلاثة{[24184]} : صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة . وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلا . وصنف في صُوَر الناس على قلوب الشياطين .
وقال أيضا{[24185]} : حدثنا أبي : حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - عن إسماعيل ، عن الحسن{[24186]} قال : الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومَنْ كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومَنْ كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.