تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

{ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ْ } وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة ، أن أحل لها الغنائم ولم يحلها لأمة قبلها .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ ْ } في جميع أموركم ولازموها ، شكرا لنعم اللّه عليكم ، . { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ْ } يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب ، . ويغفر لمن لم يشرك به شيئا جميع المعاصي .

{ رَحِيمٌ ْ } بكم ، حيث أباح لكم الغنائم وجعلها حلالا طيبا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

ثم زاد - سبحانه - المؤمنين فضلا ومنة فقال : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

قال الآلوسى روى أنه لما نزلت الآية الأولى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى . . . } كف الصحابة أيديهم عما أخوا من الفداء فنزلت هذه الآية .

فالمراد بقوله { مِمَّا غَنِمْتُمْ } إما الفدية وإما مطلق الغنائم ، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية ، وإلا فحل الغنيمة مما عداها علم سابقاً من قوله :

{ واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } وقيل المراد بقوله : { مِمَّا غَنِمْتُمْ } الغنائم من غير اندراج الفدية فيها ، لأن القوم لما نزلت الآية الأولى امتنعوا عن الأكل والتصرف فيها تزهداً منهم ، لا ظناً لحرمتها . . والفاء للعطف على سبب مقدر ، أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم .

والمعنى : لقد عفوت عنكم - أيها المؤمنون - فيما وقعتم فيه من تفضيلكم أخذ الفداء من الأسرى على قتلهم ، وأبحث لكم الانتفاع بالغنائم فكلوا مما غنمتم من أعدائكم حلالا طيباً ، أي لذيذاً هينئاً لا شبهة في أكله ولا ضرر { واتقوا الله } في كل أحوالكم بأن تخشوه وتراقبوه { إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ولذا غفر لكم ما فرط منكم وأباح إليه توبة صادقة .

وقوله { حَلاَلاً } حال من " ما " الموصولة في قوله : { مِمَّا غَنِمْتُمْ } أو صفة لمصدر محذوف ، أى : أكلاً حلالا .

ووصف هذا المأمور بأكله بأنه حلال طيب ، تأكيداً للإِباحة حتى يقبلوا على الأكل منه بدون تحرج أو تردد ، فإن معاتبتهم على أخذ الفداء قبل ذلك جعلتهم يترددون في الانتفاع به وبما غنموه من أعدائهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

55

ثم زادهم الله فضلاً ومنة ؛ فجعل غنائم الحرب حلالاً لهم - ومنها هذه الفدية التي عوتبوا فيها - وكانت محرمة في الديانات قبلهم على أتباع الرسل - مذكراً إياهم بتقوى الله ، وهو يذكر لهم رحمته ومغفرته ، لتتوازن مشاعرهم تجاه ربهم ، فلا تغرهم المغفرة والرحمة ، ولا تنسيهم التقوى والتحرج والمخافة :

( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ، واتقوا الله ، إن الله غفور رحيم ) . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (69)

الفاء تؤذن بتفريع هذا الكلام على ما قبله . وفي هذا التفريع وجهان :

أحدهما : الذي جرى عليه كلام المفسّرين أنّه تفريع على قوله : { لولا كتاب من الله سبق } [ الأنفال : 68 ] إلخ . . . أي لولا ما سبق من حلّ الغنائم لكم لمسّكم عذاب عظيم ، وإذ قد سبق الحلّ فلا تبعة عليكم في الانتفاع بمال الفداء . وقد روي أنّه لمّا نزل قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } [ الأنفال : 67 ] الآية ، أمسكوا عن الانتفاع بمال الفداء ، فنزل قوله تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيبا } وعلى هذا الوجه قد سمّي مال الفداء غنيمة تسمية بالاسم اللغوي دون الاسم الشرعي ؛ لأنّ الغنيمة في اصطلاح الشرع هي ما افتكّه المسلمون من مال العدوّ بالإيجاف عليهم .

والوجه الثاني : يظهر لي أنّ التفريع ناشىء على التحذير من العود إلى مثل ذلك في المستقبل ، وأنّ المعنى : فاكتفوا بما تغنمونه ولا تفادوا الأسرى إلى أن تثخنوا في الأرض . وهذا هو المناسب لإطلاق اسم الغنيمة هنا إذ لا ينبغي صرفه عن معناه الشرعي .

ولمّا تضمّن قوله : { لولا كتاب من الله سبق } [ الأنفال : 68 ] امتناناً عليهم بأنّه صرف عنهم بأس العدوّ ، فرّع على الامتنان الإذن لهم بأن ينتفعوا بمال الفداء في مصالحهم ، ويتوسّعوا به في نفقاتهم ، دون نكد ولا غصّة ، فإنّهم استغنوا به مع الأمن من ضرّ العدوّ بفضل الله . فتلك نعمة لم يشُبها أذى .

وعبّر عن الانتفاع الهنيء بالأكل : لأنّ الأكل أقوى كيفيّات الانتفاع بالشيء ، فإنّ الآكِل ينعم بلذاذة المأكول وبدَفْع ألم الجوع عن نفسه ودفع الألم لذاذة ويكسبه الأكلُ قوة وصحّة والصحة مع القوّة لذاذة أيضاً .

والأمر في { كلوا } مستعمل في المنّة ولا يحمل على الإباحة هنا : لأنّ إباحة المغانم مقرّرة من قبله يوم بدر ، وليكون قوله : { حلالاً } حالاً مؤسسّة لا مؤكّدة لمعنى الإباحة .

و { غنمتم } بمعنى فاديتم لأنّ الفداء عوض عن الأسرى والأسرى من المغانم .

والطيب : النفيس في نوعه ، أي حلالاً من خير الحلال .

وذُيّل ذلك بالأمر بالتقوى : لأنّ التقوى شكر الله على ما أنعم من دفع العذاب عنهم .

وجملة : { إن الله غفور رحيم } تعليل للأمر بالتقوى ، وتنبيه على أنّ التقوى شكر على النعمة ، فحرف التأكيد للاهتمام ، وهو مغن غَناء فاء التفريع ، كقول بشار :

إنّ ذاك النجاح في التبكير

وقد تقدّم ذكره غير مرة .

وهذه القضية إحدى قضايا جاء فيها القرآن مؤيّداً لرأي عمر بن الخطاب . فقد روى مسلمٌ عن عمر ، قال : « وافقتُ ربّي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر » .