تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } أي : غليظ شرس الخلق ، قاس غير منقاد للحق ، { زَنِيمٍ } أي : دعي ، ليس له أصل و [ لا ] مادة ينتج منها الخير ، بل أخلاقه أقبح الأخلاق ، ولا يرجى منه فلاح ، له زنمة أي : علامة في الشر ، يعرف بها .

وحاصل هذا ، أن الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب ، خسيس النفس ، سيئ الأخلاق ، خصوصًا الأخلاق المتضمنة للإعجاب بالنفس ، والتكبر على الحق وعلى الخلق ، والاحتقار للناس ، كالغيبة والنميمة ، والطعن فيهم ، وكثرة المعاصي .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } والعتل : هو الجاف الغليظ ، القاسى القلب : الفظ الطبع ، الأكول الشروب . . بدون تمييز بين حلال وحرام . مأخوذ من عتله يعتُلِه - بكسر التاء وضمها - إذا جره بعنف وغلظة . .

{ والزنيم } هو اللصيق بالقوم دون أن يكون منهم ، وإنما هو دعي فيهم ، حتى لكأنه فيهم كالزنمة ، وهي ما يتدلى من الجلد في حلق المعز أو الشأة . .

وقيل : الزنيم ، هو الشخص الذي يعرف بالشر واللؤم بين الناس ، كما تعرف الشاة بزنمتها . أي : بعلامتها .

ومعنى : " بعد ذلك " : كمعنى " ثم " أي : ثم هو بعد كل تلك الصفات القبيحة السابقة : جاف غليظ ، ملصق بالقوم ، دعي فيهم . . .

فهذه تسع صفات ، كل صفة منها قد بلغت النهاية في القبح والسوء ، ساقها - سبحانه - لذم الوليد بن المغيرة وأشباهه في الكفر والفجور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

وهو بعد هذا كله( عتل ) . . وهي لفظة تعبر بجرسها وظلها عن مجموعة من الصفات ومجموعة من السمات ، لا تبلغها مجموعة ألفاظ وصفات . فقد يقال : إن العتل هو الغليظ الجافي . وإنه الأكول الشروب . وإنه الشره المنوع . وإنه الفظ في طبعه ، اللئيم في نفسه ، السيء في معاملته . . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : " العتل كل رغيب الجوف ، وثيق الخلق ، أكول شروب ، جموع للمال ، منوع له " . . ولكن تبقى كلمة( عتل )بذاتها أدل على كل هذا ، وأبلغ تصويرا للشخصية الكريهة من جميع الوجوه .

وهو زنيم . . وهذه خاتمة الصفات الذميمة الكريهة المتجمعة في عدو من أعداء الإسلام - وما يعادي الإسلام ويصر على عداوته إلا أناس من هذا الطراز الذميم - والزنيم من معانيه اللصيق في القوم لا نسب له فيهم ، أو أن نسبه فيهم ظنين . ومن معانيه ، الذي اشتهر وعرف بين الناس بلؤمه وخبثه وكثرة شروره . والمعنى الثاني هو الأقرب في حالة الوليد بن المغيرة . وإن كان إطلاق اللفظ يدمغه بصفة تدعه مهينا في القوم ، وهو المختال الفخور .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

عتل جاف غليظ ، من عتله إذا قاده بعنف وغلظة ، بعد ذلك : بعدما عد من مثالبه ، زنيم : دعي مأخوذ من زنمتي الشاة ، وهما المتدليتان من أذنها وحلقها ، قيل هو الوليد بن المغيرة ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده ، وقيل الأخنس بن شريق ، أصله من ثقيف ، وعداده في زهرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

والعتل : القوي البنية الغليظ الأعضاء المصحح القاسي القلب ، البعيد الفهم ، الأكول الشروب ، الذي هو بالليل جيفة وبالنهار حمار ، فكل ما عبر به المفسرون عنه من خلال النقص ، فعن هذه التي ذكرت بصدر ، وقد ذكر النقاش ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : فسر العتل بنحو هذا{[11240]} ، وهذه الصفات كثيرة التلازم ، والعتل : الدفع بشدة ، ومنه العتلة ، وقوله : { بعد ذلك } معناه ، بعدما وصفناه به ، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف ، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف ، وإلا فكونه عتلاً ، هو قبل كونه صاحب خير يمنعه ، والزنيم : في كلام العرب ، الملصق في القوم وليس منهم ، وقد فسر به ابن عباس هذه الآية ، وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة ، يعني الذي نزلت فيه هذه الآية ، ومن ذلك قول حسان بن ثابت : [ الطويل ]

وأنت زنيم نيط في آل هاشم . . . كما نيط خلف الراكب القدح الفرد{[11241]}

ومنه قول حسان بن ثابت أيضاً : [ الطويل ]

زنيم تداعاه الرجال زيادة . . . كما زيد في عرض الأديم الأكارع{[11242]}

فقال كثير من المفسرين : هذا هو المراد في الآية . وذلك أن الأخنس بن شريق كان من ثقيف ، حليفاً لقريش . وقال ابن عباس : أراد ب «الزنيم » أن له زنمة في عنقه كزنمة الشاة ، وهي الهنة التي تعلق في عنقها ، وما كنا نعرف المشار إليه ، حتى نزلت فعرفناه بزنمته . قال أبو عبيدة : يقال للتيس زنيم إذ له زنمتان ، ومنه قول الأعرابي في صفة شاته : كأن زنمتيها تتوا قليسية{[11243]} . وروي أن الأخنس بن شريق كان بهذه الصفة ، كان له زنمة . وروى ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الصفة ، لم يعرف صاحبها حتى نزلت { زنيم } فعرف بزنمته . وقال بعض المفسرين : الزنيم : المريب ، القبيح الأفعال .


[11240]:ذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم – ورواه ابن مسعود- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم)، فقال رجل: ما الجواظ؟ وما الجعظري؟ وما العتل الزنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجواظ: الذي جمع ومنع، والجعظري: الغليظ، والعتل الزنيم: الشديد الخلق، الرحيب الجوف، المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام، الظلوم للناس)، وذكره الثعلبي عن شداد بن أوس.
[11241]:هذا البيت من شواهد أبي عبيدة في "مجاز القرآن" وهو في ديوان حسان بن ثابت سابع أبيات ثمانية قالها حسان في هجاء أبي سفيان دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد قال صلوات الله وسلامه عليه لحسان: (اهجه وجبريل معك، أيدك الله بروح القدس، اذهب إلى أبي بكر يعلمك من تلك الهنات)، ورواية الديوان: (وكنت دعيا)، وفي اللسان: (وأنت دعي)، وفي الأغاني: (وأنت هجين)، وعلى كل هذه الروايات لا شاهد في البيت، والزنيم: المستلحق في قوم ليس منهم ولا يحتاج إليه، ونيط: ألحق بالقوم وليس منهم، والقدح الفرد هو القدح الذي يعلق في آخر الرحل بعد الفراغ من الترحال، وفي الحديث: (لا تجعلوني كقدح الراكب)، أي لا تؤخروني في الذكر.
[11242]:لم أجد هذا البيت في ديوان حسان، وقال في اللسان: "وأنشد ابن بري للخطيم التميمي، جاهلي: (زنيم تداعاه الرجال)، البيت، ووجدت حاشية صورتها: الأعرف أن هذا البيت لحسان، قال: وفي الكامل للمبرد روى أبو عبيدة وغيره أن نافعا سأل ابن عباس عن قوله تعالى: (عتل بعد ذلك زنيم)؟ ما الزنيم؟ قال: هو الدعي الملزق، أما سمعت قول حسان ابن ثابت (زنيم تداعاه الرجال) البيت" والأكارع: -جمع كراع- أو هو جمع الجمع- والكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب، والأديم: الجلد، ومعنى (تداعاه الرجال) أنه مجهول الأب يدعيه كل واحد لنفسه.
[11243]:هكذا في الأصول، وجاء في لسان العرب: "ومن كلام بعض فتيان العرب ينشد عنزا في الحرم: وكأن زنمتيها تتوا قليسية" وفي القاموس: "تتوا القلنسوة" وفي شرح القاموس: "والصواب تتوا الفسيلة"، والفسيلة: النخلة الصغيرة تقطع من الأم أو تقلع من الأرض فتغرس، ومعنى (تتواها) ذؤابتاها.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ} (13)

ثامنة وتاسعة .

والعُتُل : بضمتين وتشديد اللام اسم وليس بوصف لكنه يتضمن معنى صفةٍ لأنه مشتق من العَتْل بفتح فسكون ، وهو الدفع بقوة قال تعالى : { خذوه فاعْتلُوه إلى سواء الجحيم } [ الدخان : 47 ] ولم يسمع ( عاتل ) . ومما يدل على أنه من قبيل الأسماء دون الأوصاف مركب من وصفين في أحوال مختلفة أو من مركب أوصاف في حالين مختلفين .

وفسر العُتل بالشديد الخِلقة الرحيب الجوف ، وبالأكول الشروب ، وبالغشوم الظلوم ، وبالكثير اللّحم المختال ، روى الماوردي عن شهر بن حوشب هذا التفسير عن ابن مسعود وعن شداد بن أوس وعن عبد الرحمان بن غَنْم ، يزيدُ بعضهم على بعض عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند غير قوي ، وهو على هذا التفسير إتْباع لصفة { منّاع للخير } [ القلم : 12 ] أي يمنع السائل ويدفعه ويُغلظ له على نحو قوله تعالى : { فذلك الذي يَدعُّ اليتيم } [ الماعون : 2 ] .

ومعنى { بعد ذلك } علاوة على ما عُدّد له من الأوصاف هو سيّىء الخِلقة سيِّىء المعاملة ، فالبعدية هنا بعدية في الارتقاء في درجات التوصيف المذكور ، فمفادها مفاد التراخي الرتبي كقوله تعالى : { والأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] على أحد الوجهين فيه .

وعلى تفسير العُتل بالشديد الخِلقة والرحيب الجوف يكون وجه ذكره أن قباحة ذاته مكملة لمعائبه لأن العيب المشاهد أجلب إلى الاشمئزاز وأوغل في النفرة من صاحبه .

وموقع { بعد ذلك } موقعَ الجملة المعترضة ، والظرفُ خبر لمحذوف تقديره : هو بعد ذلك .

ويجوز اتصال { بعد ذلك } بقوله : { زنيم } على أنه حال من { زنيم } .

والزنيم : اللصيق وهو من يكون دعياً في قومه ليس من صريح نسبهم : إِما بمغمز في نسبه ، وإِما بكونه حليفاً في قوم أو مولى ، مأخوذ من الزَنَمة بالتحريك وهي قطعة من أذن البعير لا تنزع بل تبقى معلقة بالأذن علامة على كرم البعير . والزنمتان بضعتان في رقاب المعز .

قيل أريد بالزنيم الوليد بن المغيرة لأنه ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده . وقيل أريد الأخنس بن شريق لأنه كان من ثقيف فحالف قريشاً وحلّ بينهم ، وأيَّا ما كان المراد به فإن المراد به خاص فدخوله في المعطوف على ما أضيف إليه { كل } [ القلم : 10 ] إنما هو على فرض وجود أمثال هذا الخاص وهو ضرب من الرمز كما يقال : ما بال أقوام يعملون كذا ، ويُراد واحد معين . قال الخطيم التميمي جاهلي ، أو حسان بن ثابت :

زنيم تداعاه الرجال زيادةً *** كما زيد في عَرض الأديم الأكارع

ويطلق الزنيم على من في نسبه غضاضة من قِبَل الأمهات ، ومن ذلك قول حَسان في هجاء أبي سفيان بن حَرب ، قبل إسلام أبي سفيان ، وكانت أمه مولاةً خلافاً لسائر بني هاشم إذ كانت أمهاتهم من صريح نسب قومهن :

وأنتَ زنيم نيطَ في آل هاشم *** كما نِيطَ خلْفَ الراكب القَدَحُ الفَرْدُ

وإنَّ سَنام المجد من آل هاشم *** بنُو بنت مخزوم ووالدُكَ العَبْد

يريد جدّه أبا أمه وهو مَوهب غلام عبد مناف وكانت أم أبي سفيان سُمية بنت موهب هذا .

والقول في هذا الإِطلاق والمرادِ به مماثل للقول في الإِطلاق الذي قبله .