تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

{ 80 - 84 } { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } إلى آخر القصة{[317]} .

أي : { و ْ } اذكر عبدنا { لُوطًا ْ } عليه الصلاة والسلام ، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده ، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين ، فقال : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ْ } أي : الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش ، { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ْ } فكونها فاحشة من أشنع الأشياء ، وكونهم ابتدعوها وابتكروها ، وسنوها لمن بعدهم ، من أشنع ما يكون أيضا .


[317]:- في ب: أورد الآيات كاملة.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

ثم حكت لنا السورة بعد ذلك جانبا مما دار بين لوط وقومه فقالت : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ . . . . } .

قال ابن كثير : لوط . هو ابن هاران بن آزر وهو ابن أخى إبراهيم ، وكان قد آمن مع إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله - تعالى - ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإناث ، وهذا شىء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم " حتى صنع ذلك أهل سدوم - وهى قرية بوادى الأردن - عليهم لعائن الله " .

وقوله - تعالى - : { وَلُوطاً } منصوب بفعل مضمر معطوف على ما سبق أى : وأرسلنا لوطا و { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ظرف لأرسلنا ، وجوز أن يكون { لُوطاً } منصوبا باذكر محذوفا فيكون من عطف القصة على القصة ، و { إِذْ } بدل من اشتمال بناء على أنها لا تلزم الظرفية .

وقوله : { أَتَأْتُونَ الفاحشة مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين } .

أى : أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت نهاية القبح والفحش ، والتى ما فعلها أحد قبلكم في زمن من الأزمان فأنتم أول من ابتدعها فعليكم وزرها ووزر من عملها إلى يوم القيامة ، والاستفهام ، للانكار والتوبيخ قال عمر بن دينار : " ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط " .

وقال الوليد بن عبد الملك : " لولا أن الله قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلوا ذكرا " والباء في { بِهَا } كما قال الزمخشرى - للتعدية ، من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله ومن قوله صلى الله عليه وسلم : " سبقك بها عكاشة " و { مِنْ } في قوله : { مِنْ أَحَدٍ } لتأكيد النفى وعمومه المستغرق لكل البشر .

والجملة - كما قال أبو السعود - مستأنفة مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ والتقريع ، فإن مباشرة القبح قبيح واختراعه أقبح ، فأنكر عليهم أولا إتيان الفاحشة ، ثم وبخهم بأنهم أول من عملها " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

59

وتمضي عجلة التاريخ ، فيظلنا عهد إبراهيم - عليه السلام - ولكن السياق لا يتعرض هنا لقصة إبراهيم . ذلك أن السياق يتحرى مصارع المكذبين ؛ متناسقاً مع ما جاء في أول السورة : ( وكم من قرية أهلكناها ، فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون ) . . وهذا القصص إنما هو تفصيل لهذا الإجمال في إهلاك القرى التي كذبت بالنذير . . وقوم إبراهيم لم يهلكوا لأن إبراهيم - عليه السلام - لم يطلب من ربه هلاكهم . بل اعتزلهم وما يدعون من دون الله . . إنما تجيء هنا قصة قوم لوط - ابن أخي إبراهيم - ومعاصره ، بما فيها من إنذار وتكذيب وإهلاك . يتمشى مع ظلال السياق ، على طريقة القرآن :

( ولوطا إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ إنكم لتأتون الرجال - شهوة - من دون النساء . بل أنتم قوم مسرفون . وما كان جواب قومه إلا أن قالوا : أخرجوهم من قريتكم ، إنهمأناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين . وأمطرنا عليهم مطراً ، فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )

وتكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة ؛ وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد التي كانت مدار القصص السابق . ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد . . إن الإعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه . وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكراً وأنثى ، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما ، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل ؛ وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى . . ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء ، صالحين للنسل عن طريق هذا الإلتقاء ، مجهزين عضوياً ونفسياً لهذا الالتقاء . . وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة ، والرغبة في إتيانها أصيلة ، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة ؛ ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعاً في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية . من حمل ووضع ورضاعة . ومن نفقة وتربية وكفالة . . ثم لتكون كذلك ضماناً لبقائهما ملتصقين في أسرة ، تكفل الأطفال الناشئين ، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان ، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم !

هذه هي سنة الله التي يتصل إدراكها والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في الله وحكمته ولطف تدبيره وتقديره . ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلاً بالانحراف عن العقيدة ، وعن منهج الله للحياة .

ويبدو انحراف الفطرة واضحاً في قصة قوم لوط ، حتى أن لوطا ليجبههم بأنهم بدع دون خلق الله فيها ، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين :

( ولوطاً إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

يقول تعالى : { وَ } قَدْ أَرْسَلْنَا { لُوطًا } أو تقديره : { وَ } اذكر { لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }

ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما{[11947]} السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله [ تعالى ]{[11948]} إلى أهل " سَدُوم " وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله ، عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور . وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل " سَدُوم " عليهم لعائن الله .

قال عمرو بن دينار : قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } قال : ما نزا ذَكَر على ذَكَر ، حتى كان قوم لوط .

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، باني جامع دمشق : لولا أن الله ، عز وجل ، قص علينا خبر لوط ، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا .

ولهذا قال لهم لوط ، عليه السلام : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } أي : عدلتم{[11949]} عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : { [ قَالَ ]{[11950]} هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .

وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى{[11951]} بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى{[11952]} بعضهن ببعض أيضًا .


[11947]:في ك، أ: "عليه".
[11948]:زيادة من أ.
[11949]:في د، م: "أعدلتم".
[11950]:زيادة من أ.
[11951]:في ك، م: "اغتني".
[11952]:في ك: "استغنين".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

عُطف { ولوطاً } على { نوحاً } في قوله : { لقد أرسلنا نوحاً } [ الأعراف : 59 ] فالتّقدير : وأرسلنا لوطاً ، وتغيير الأسلوب في ابتداء قصّة لوط وقومه إذ ابتُدئت بذكر ( لوطاً ) كما ابتدئت قصّة بذكر نوح لأنه لم يكن لقوم لوط اسم يعرفون به كما لم يكن لقوم نوح اسم يعرفون به . و ( إذ ) ظرف متعلّق ب ( أرسلنا ) المقدر يعني أرسلناه وقت قال لقومه وجعل وقت القول ظرفاً للإرسال لإفادة مبادرته بدعوة قومه إلى ما أرسله الله به ، والمقارنة التي تقتضيها الظّرفية بين وقت الإرسال ووقت قوله ، مقارنةٌ عرفية بمعنى شدّة القرب بأقصى ما يستطاع من مبادرة التّبليغ .

وقوم لوط كانوا خليطاً من الكنعانيين وممّن نزل حولهم . ولذلك لم يوصف بأنّه أخوهم إذ لم يكن من قبائلهم ، وإنّما نزل فيهم واستوطن ديارهم . ولوط عليه السّلام هو ابن أخِي إبراهيم عليه السّلام كما تقدّم في سورة الأنعام ، وكان لوط عليه السّلام قد نزل ببلاد ( سَدوم ) ولم يكن بينهم وبينه قرَابة .

والقوم الذين أرسل إليهم لوط عليه السّلام هم أهل قرية ( سدوم ) و ( عمُّورة ) من أرض كنعان ، وربّما أطلق اسم سدوم وعمُّورة على سكّانهما . وهو أسلاف الفنيقيين وكانتا على شاطىء السديم ، وهو بحر الملح ، كما جاء في التّوراة وهو البحر الميّت المدعو ( بحيرة لوط ) بقرب أرشليم . وكانت قرب سدوم ومن معهم أحدثوا فاحشة استمتاع الرّجال بالرّجال ، فأمر الله لوطاً عليه السّلام لما نزل بقريتهم سدوم في رحلته مع عمّه إبراهيم عليه السّلام أن ينهاهم ويغلظ عليهم .

فالاستفهام في { أتأتون } إنكاري توبيخي ، والإتيان المستفهم عنه مجاز في التّلبّس والعمل ، أي أتعملون الفاحشة ، وكني بالإتيان على العمل المخصوص وهي كناية مشهورة .

والفاحشه : الفعل الدّنيء الذّميم ، وقد تقدّم الكلام عليها عند تفسير قوله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة } [ الأعراف : 28 ] : والمراد هنا فاحشة معروفة ، فالتّعريف للعهد .

وجملة : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } مستأنفة استينافاً ابتدائياً ، فإنّه بعد أن أنكر عليهم إتيان الفاحشة ، وعبّر عنها بالفاحشة ، وبّخهم بأنّهم أحدثوها ، ولم تكن معروفة في البشر فقد سَنُّوا سنة سيّئة للفاحشين في ذلك .

ويجوز أن تكون جملة : { ما سبقكم بها من أحد } صفة للفاحشة ، ويجوز أن تكون حالا من ضمير : { تأتون } أو من : { الفاحشة } .

والسبق حقيقته : وصول الماشي إلى مكان مطلوب له ولغيره قبل وصول غيره ، ويستعمل مجازاً في التّقدّم في الزّمان ، أي الأوّلية والابتداءِ ، وهو المراد هنا ، والمقصود أنّهم سبقوا النّاس بهذه الفاحشة إذ لا يقصد بمثل هذا التّركيب أنّهم ابتدأوا مع غيرهم في وقت واحد .

والباء لتعدية فعل ( سبق ) لاستعماله بمعنى ( ابتدا ) فالباء ترشيح للتّبعيّة . و ( مِنْ ) الدّاخلة على ( أحدٍ ) لتوكيد النّفي للدّلالة على معنى الاستغراق في النّفي . و ( مِن ) الداخلة على { العالمين } للتبعيض .