تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

{ 56 - 59 } { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

يقول تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بي وصدقوا رسولي { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض ، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى ، حيث كانت العبادة للّه وحده ، فأماكن العبادة ومواضعها ، واسعة ، والمعبود واحد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

وبعد أن بين - سبحانه - سوء عاقبة المكذبين ، الذين استعجلوا العذاب لجهلهم وعنادهم ، أتبع ذلك بتوجيه نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بالثبات على الحق ، فقال - تعالى - : { الذين عَاهَدْتَّ . . . وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } .

قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { ياعبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } : هذا أمر من الله - تعالى - لعباده المؤمنين ، بالهجرة من البلد الذى لا يقدرون فيه على إقامة الدين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يمكن إقامة الدين ، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم . .

روى الإِمام أحمد عن أبى يحيى مولى الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبت خيراًً فأقم " .

ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ، ليأمنوا على دينهم هناك . . . ثم بعد ذلك ، هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة . .

وفى ندائهم بقوله : { ياعبادي } وفى وصفهم بالإِيمان ، تكريم وشتريف لهم ، حيث أضافهم - سبحانه - إلى ذاته ، ونعتم المحبب إلى قلوبهم .

وقوله : { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } تحريض لهم على الهجرة من الأرض التى لا يتمكنون فيها من إقامة شعائر دينهم ، فكانه - سبحانه - يقول لهم : ليس هناك ما يجبركم على الإقامة فى تلك الأرض التى لا قدرة لكم فيها على إظهار دينكم ، بل أخرجوا منها فإن أرضى واسعة ، ومن خرج من أجل كلمة الله ، رزقه الله - تعالى - من حيث لا يحتسب .

ومن المفسرين الذين أجادوا فى شرح هذا المعنى ، صاحب الكشاف - رحمه الله - فقد قال : ومعنى الآية : أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة فى بلد هو فيه ، ولم يتمش له أمر دينه كما يحب ، فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلباً ، وأصح دينا ، وأكثر عبادة . .

ولعمرى إن البقاع تتفاوت فى ذلك التفاوت الكير ، ولقد جربنا وجرب أولونا ، فلم نجد فيما درنا وداروا : أعون على قهر النفس ، وعصيان الشهوة ، وأجمع للقلب المتلفت ، وأضم للهم المنتشر ، وأحث على القناعة ، وأطرد للشيطان ، وأبعد عن الفتن . . من سكنى حرم الله ، وجوار بيت الله ، فلله الحمد على سهل من ذلك وقرب . .

والفاء فى قوله - تعالى - { فَإِيَّايَ فاعبدون } بمعنى الشرط ، وإياى منصوب بفعل مضمر ، قد استغنى عنه بما يشبه . أى : فاعبدوا إياى فاعبدون .

والمعنى : إن ضاق بكم مكان ، فإياى فاعبدوا ، لأن أرضى واسعة ، ولن تضيق بكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

46

ويدع الجاحدين المكذبين المستهترين في مشهد العذاب يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ليلتفت إلى المؤمنين ، الذين يفتنهم أولئك المكذبون عن دينهم ، ويمنعونهم من عبادة ربهم . . يلتفت إليهم يدعوهم إلى الفرار بدينهم ، والنجاة بعقيدتهم . في نداء حبيب وفي رعاية سابغة ، وفي أسلوب يمس كل أوتار القلوب :

( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة ، فإياي فاعبدون . كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ، وهو السميع العليم . . )

إن خالق هذه القلوب ، الخبير بمداخلها ، العليم بخفاياها ، العارف بما يهجس فيها ، وما يستكن في حناياها . . إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب : يا عبادي الذين آمنوا : يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها ، لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها . بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها : ( يا عبادي ) . .

هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية : ( إن أرضي واسعة ) . .

أنتم عبادي . وهذه أرضي . وهي واسعة . فسيحة تسعكم . فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق ، الذي تفتنون فيه عن دينكم ، ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم ? غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة ، ناجين بدينكم ، أحرارا في عبادتكم ( فإياي فاعبدون ) .

إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة . ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين : بالنداء الحبيب القريب : ( يا عبادي )وبالسعة في الأرض : ( إن أرضي واسعة )وما دامت كلها أرض الله ، فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يمكن إقامة الدين ، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم ؛ ولهذا قال : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } .

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بَقِيَّةُ بن الوليد ، حدثني جُبَيْر بن عمرو القرشي ، حدثني أبو سعد الأنصاري ، عن أبي يحيى مولى{[22667]} الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبتَ خيرًا فأقم " {[22668]} .

ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ، ليأمنوا ، على دينهم هناك ، فوجدوا هناك خير المنزلين ، أصحمة النجاشي ملك الحبشة ، رحمه الله ، آواهم وأيدهم بنصره ، وجعلهم شُيُوما ببلاده . ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة{[22669]}


[22667]:- في ت : "روى الإمام أحمد بإسناده عن".
[22668]:- المسند (1/166) وقال الهيثمي في المجمع (4/72) "فيه جماعة لم أعرفهم".
[22669]:- بعدها في ت - وأظنها من الناسخ - ما يلي : "أما قصة هجرة الحبشة ، فقال ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أمه أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا خير جار النجاشي ، آمنا على ديننا ، وعبدنا الله لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم ، أن يبعثوا إلينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يُستطرف من متاع مكة ، وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي ، ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم.قالت : فخرجنا حتى قدمنا عليه ، ونحن عنده بخير دار ، عند خير جار فلم يبق بطريق من بطارقته إلا دفعوا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم قالا لكل بطريق : إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ، ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم دينا وأعلم بما عابوا عليهم ؛ فقالوا لهما : نعم ، ثم أنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا : أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم وآباءهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي ، فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهم ليردوهم إلى بلادهم وقومهم ، فغضب النجاشي وقال : لاها الله لا أسلمهم إليهم أبدا ولا أكاد ، قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على مَنْ سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان الرجلان. فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى بلادهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني ونزلوا بلادي.قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون لهذا الرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول : والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، كائنا في ذلك ما هو كائن ، قال : فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ، فلما دخلوا عليه سألهم ، فقال : ما هذا الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل.قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب. فقال : أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه ، الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت : فعد عليه أمور الإسلام. فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله عز جل ، فعبدنا الله لا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، وأن نستحل كما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على مَنْ سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت : فقال له النجاشي : وهل عندك مما جاء به من عند الله شيء ؟ قالت : فقال له جعفر : نعم. فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدرا من (كهيعص).قالت : فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكى أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، حين سمعوا ما يتلى عليهم. وقال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا. لا والله لا أسلمهم إليكما ولا أكاد. قالت : فلما خرجا من عنده. قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم.قالت : فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - : لا تفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا. قال : والله لأخبرنه أنهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إليهم فسألهم عما يقولون فيه. قالت : فأرسل إليهم ليسألهم عنه. قالت : ولم ينزل بنا مثلها ، فاجتمع القوم. فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في عيسى إن سألكم عنه. قالوا : نقول فيه ما قال الله عز وجل ، وما جاء به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن. قالت : فلما دخلوا عليه. قال لهم : ما تقولون في عيسى ابن مريم ، قالت : فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم. يقول فيه : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت : فضرب النجاشي يده إلى الأرض ، فأخذ منها عودا ، ثم قال له : ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود.قالت : فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال. فقال : وإن تناخرتم اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي. والشيوم : الآمنون. مَنْ سَبَّكُم غُرِّم ، مَنْ سَبَّكُم غُرِّم ، ما أحب أن لي دبرا من ذهب ، وأني آذيت رجلا منكم. والدبر : بلسان الحبشة الجبل. وردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردَّ علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ ، فأطيعهم فيه. قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما. قالت أم سلمة : فكنت أتعرض لهم ليسبوني فأغرمهم ، وأقمنا عنده بخ
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

هذه الآيات نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة ، فأخبرهم تعالى بسعة أرضه وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب ، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله في أرضه ، وقال ابن جبير وعطاء ومجاهد : إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق ، وقاله مالك ، وقال مطرف بن الشخير{[9270]} قوله { إن أرضي واسعة } عدة بسعة الرزق في جميع الأرض ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «يا عباديَ » بفتح الياء ، وقرأ ابن عامر وحده «إن أرضيَ » بفتح الياء أيضاً ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بسكونها ، وكذلك قرأ نافع وعاصم «أرضي » ساكنة ، وقوله تعالى : { فإياي } منصوب بفعل مقدر يدل عليه الظاهر تقديره { فإياي } اعبدوا { فاعبدون }{[9271]} على الاهتمام أيضاً في التقديم .


[9270]:مطرف بن عبد الله بن الشخير، العامري، الحرشي، أبو عبد الله البصري، قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: ثقة عابد فاضل من الثانية، مات سنة خمس وسبعين.
[9271]:هو من باب الاشتغال ، وعلى ذلك فالتقدير: فاعبدوا إياي فاعبدون.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

استئناف ابتدائي وقع اعتراضاً بين الجملتين المتعاطفتين : جملة : { والذين ءامنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون } [ العنكبوت : 52 ] ، وجملة : { والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهم من الجنة غُرفاً } [ العنكبوت : 58 ] الآية . وهذا أمر بالهجرة من دار الكفر . ومناسبته لما قبله أن الله لما ذكر عناد المشركين في تصديق القرآن وذكر إيمان أهل الكتاب به آذن المؤمنين من أهل مكة أن يخرجوا من دار المكذبين إلى دار الذين يصدقون بالقرآن وهم أهل المدينة فإنهم يومئذ ما بين مسلمين وبين يهود فيكون المؤمنون في جوارهم آمنين من الفتن يعبدون ربهم غير مفتونين . وقد كان فريق من أهل مكة مستضعفين قد آمنوا بقلوبهم ولم يستطيعوا إظهار إيمانهم خوفاً من المشركين مثل الحارث بن ربيعة بن الأسود كما تقدم عند قوله تعالى : { ومن الناس من يقول ءامنا بالله } في أول هذه السورة [ العنكبوت : 10 ] ، وكان لهم العذر حين كانوا لا يجدون ملجأ سالماً من أهل الشرك ، وكان فريق من المسلمين استطاعوا الهجرة إلى الحبشة من قبل ، فلما أسلم أهل المدينة زال عذر المؤمنين المستضعفين إذ أصبح في استطاعتهم أن يهاجروا إلى المدينة فلذلك قال الله تعالى : { إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } . فقوله : { إن أرضي واسعة } كلام مستعمل مجازاً مركباً في التذكير بأن في الأرض بلاداً يستطيع المسلم أن يقطنها آمناً ، فهو كقول إياس بن قبيصة الطائي :

ألم ترَ أن الأرض رحب فسيحة *** فهل تعجزني بقعة من بقاعها

ألا تراه كيف فرعَ على كونها رحباً قولَه : فهل تعجزني بقعة . وكذلك في الآية فرع على كونها واسعة الأمر بعبادة الله وحده للخروج مما كان يفتن به المستضعفون من المؤمنين إذ يُكرهون على عبادة الأصنام كما تقدم في قوله تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان } [ النحل : 106 ] .

فالمعنى : أن أرضي التي تأمنون فيها من أهل الشرك واسعة ، وهي المدينة والقرى المجاورة لها مثل خيبر والنضير وقريظة وقينقاع ، وما صارت كلها مأمناً إلا بعد أن أسلم أهل المدينة لأن تلك القرى أحلاف لأهل المدينة من الأوس والخزرج .

وأشعر قوله : { فإياي فاعبدون } أن علة الأمر لهم بالهجرة هي تمكينهم من إظهار التوحيد وإقامة الدين . وهذا هو المعيار في وجوب الهجرة من البلد الذي يفتن فيه المسلم في دينه وتجري عليه فيه أحكام غير إسلامية . والنداء بعنوان التعريف بالإضافة لتشريف المضاف . ومصطلح القرآن أن ( عباد ) إذا أضيف إلى ضمير الجلالة فالمراد بهم المؤمنون غالباً إلا إذا قامت قرينة كقوله : { أأنتم أضْلَلْتم عبادي هؤلاء } [ الفرقان : 17 ] ، وعليه فالوصف ب { الذين ءامنوا } لما في الموصول من الدلالة على أنهم آمنوا بالله حقاً ولكنهم فتنوا إلى حد الإكراه على إظهار الكفر .

والفاء في قوله : { فإياي } فاء التفريع والفاء في قوله : { فاعبدون } إما مؤكدة للفاء الأولى للدلالة على تحقيق التفريع في الفعل وفي معموله ، أي فلا تعبدوا غيري فاعبدون ؛ وإما مؤذنة بمحذوف هو ناصب ضمير المتكلم تأكيداً للعبادة . والتقدير : وإياي اعبدوا فاعبدون ، وهو أنسب بدلالة التقديم على الاختصاص لأنه لما أفاد الأمر بتخصيصه بالعبادة كان ذكر الفاء علامة تقدير على تقدير فعل محذوف قصد من تقديره التأكيد ، وقد تقدم في قوله تعالى : { وإياي فارهبون } في أوائل سورة [ البقرة : 40 ] .

وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية تخفيفاً ، وللرعاية على الفاصلة . ونظائره كثيرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة،إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان ف {إن أرضي} يعني أرض الله بالمدينة {واسعة} من الضيق {فإياي فاعبدون} يعني فوحدوني بالمدينة علانية...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن عطية: قال مالك: إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا عبادي الذين وحّدوني وآمنوا بي وبرسولي محمد صلى الله عليه وسلم "إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ".

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض؛

فقال بعضهم: أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحلّ لكم المُقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره، فاهرُبوا منه... [عن] ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله "يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا إنّ أرضِي وَاسِعَةٌ فإيّايَ فاعْبُدُونِ "فقلت: يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين، فقال: نعم.

وقال آخرون: معنى ذلك: إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم...

وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك: إن أرضي واسعة، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي لدلالة قوله "فإيّايَ فاعْبُدُونِ" على ذلك، وأن ذلك هو أظهر معنييه، وذلك أن الأرض إذا وصفها بِسعَة، فالغالب من وصفه إياها بذلك، أنها لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب.

وقوله: "فإيّايَ فاعْبُدُونِ" يقول: فأخلِصوا إلى عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

...فإن قلت: ما معنى الفاء في {فاعبدون} وتقديم المفعول؟ قلت: الفاء جواب شرط محذوف؛ لأنّ المعنى: إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فاخلصوها لي في غيرها، ثم حذف الشرط وعوّض من حذفه تقديم المفعول، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ولما أخبر تعالى بسعة أرضه، وكان ذلك إشارة إلى الهجرة، وأمر بعبادته، فكأن قد يتوهم متوهم أنه إذا خرج من أرضه التي نشأ فيها لأجل من حلها من أهل الكفر إلى دار الإسلام، لا يستقيم له فيها ما كان يستقيم له في أرضه، وربما أدى ذلك إلى هلاكه. أخبر أن كل نفس لها أجل تبلغه، وتموت في أي مكان حل، وأن رجوع الجمع إلى أجزائه يوم القيامة. وقرأ علي: {ترجعون}، مبنياً للفاعل؛ والجمهور: مبنياً للمفعول، بتاء الخطاب...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بَقِيَّةُ بن الوليد، حدثني جُبَيْر بن عمرو القرشي، حدثني أبو سعد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبتَ خيرًا فأقم"...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أبلغ في الإنذار، وحذر من الأمور الكبار، ولم يهمل الإشارة إلى الصغار، وكانت هذه الآيات في المتعنتين من الكفار، وكان قد كرر أن هذه المواعظ إنما هي للمؤمنين، قال مخاطباً لهم معرضاً عن سواهم إذ كانت أسماعهم لبليغ هذه المواعظ قد أصغت، وقلوبهم لجليل هذه الإنذارات قد استيقظت، التفاتاً على قراءة الجمهور إلى التلذيذ في المناجاة بالإفراد والإبعاد من مداخل التعنت: {يا عبادي} فشرفهم بالإضافة، ولكنه لما أشار بأداة البعد إلى أن فيهم من لم يرسخ، حقق ذلك بقوله: {الذين آمنوا} أي وإن كان الإيمان باللسان مع أدنى شعبة من القلب. ولما كان نزول هذه السورة بمكة، وكانوا بها مستخفين بالعبادة خوفاً من الكفار، وكانت هجرة الأهل والأوطان شديدة، قال مؤكداً تنبيهاً على أن حال من ترك الهجرة حال من يظن أن الأرض ضيقة: {إن أرضي واسعة}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويدع الجاحدين المكذبين المستهترين في مشهد العذاب يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ليلتفت إلى المؤمنين، الذين يفتنهم أولئك المكذبون عن دينهم، ويمنعونهم من عبادة ربهم.. يلتفت إليهم يدعوهم إلى الفرار بدينهم، والنجاة بعقيدتهم. في نداء حبيب وفي رعاية سابغة، وفي أسلوب يمس كل أوتار القلوب:

(يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة، فإياي فاعبدون. كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون. وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم، وهو السميع العليم..)

إن خالق هذه القلوب، الخبير بمداخلها، العليم بخفاياها، العارف بما يهجس فيها، وما يستكن في حناياها.. إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب: يا عبادي الذين آمنوا: يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها، لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها. بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها: (يا عبادي)..

هذه هي اللمسة الأولى. واللمسة الثانية: (إن أرضي واسعة)..

أنتم عبادي. وهذه أرضي. وهي واسعة. فسيحة تسعكم. فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق، الذي تفتنون فيه عن دينكم، ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم؟ غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة، ناجين بدينكم، أحرارا في عبادتكم (فإياي فاعبدون).

إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة. ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين: بالنداء الحبيب القريب: (يا عبادي) وبالسعة في الأرض: (إن أرضي واسعة) وما دامت كلها أرض الله، فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا أمر بالهجرة من دار الكفر. ومناسبته لما قبله أن الله لما ذكر عناد المشركين في تصديق القرآن وذكر إيمان أهل الكتاب به آذن المؤمنين من أهل مكة أن يخرجوا من دار المكذبين إلى دار الذين يصدقون بالقرآن وهم أهل المدينة فإنهم يومئذ ما بين مسلمين وبين يهود فيكون المؤمنون في جوارهم آمنين من الفتن يعبدون ربهم غير مفتونين. وقد كان فريق من أهل مكة مستضعفين قد آمنوا بقلوبهم ولم يستطيعوا إظهار إيمانهم خوفاً من المشركين مثل الحارث بن ربيعة بن الأسود كما تقدم عند قوله تعالى: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله} في أول هذه السورة [العنكبوت: 10]، وكان لهم العذر حين كانوا لا يجدون ملجأ سالماً من أهل الشرك، وكان فريق من المسلمين استطاعوا الهجرة إلى الحبشة من قبل، فلما أسلم أهل المدينة زال عذر المؤمنين المستضعفين إذ أصبح في استطاعتهم أن يهاجروا إلى المدينة فلذلك قال الله تعالى: {إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون}. فقوله: {إن أرضي واسعة} كلام مستعمل مجازاً مركباً في التذكير بأن في الأرض بلاداً يستطيع المسلم أن يقطنها آمناً...

وكذلك في الآية فرع على كونها واسعة الأمر بعبادة الله وحده للخروج مما كان يفتن به المستضعفون من المؤمنين إذ يُكرهون على عبادة الأصنام كما تقدم في قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106]. فالمعنى: أن أرضي التي تأمنون فيها من أهل الشرك واسعة، وهي المدينة والقرى المجاورة لها مثل خيبر والنضير وقريظة وقينقاع، وما صارت كلها مأمناً إلا بعد أن أسلم أهل المدينة لأن تلك القرى أحلاف لأهل المدينة من الأوس والخزرج. وأشعر قوله: {فإياي فاعبدون} أن علة الأمر لهم بالهجرة هي تمكينهم من إظهار التوحيد وإقامة الدين. وهذا هو المعيار في وجوب الهجرة من البلد الذي يفتن فيه المسلم في دينه وتجري عليه فيه أحكام غير إسلامية. والنداء بعنوان التعريف بالإضافة لتشريف المضاف. ومصطلح القرآن أن (عباد) إذا أضيف إلى ضمير الجلالة فالمراد بهم المؤمنون غالباً إلا إذا قامت قرينة كقوله: {أأنتم أضْلَلْتم عبادي هؤلاء} [الفرقان: 17]، وعليه فالوصف ب {الذين ءامنوا} لما في الموصول من الدلالة على أنهم آمنوا بالله حقاً ولكنهم فتنوا إلى حد الإكراه على إظهار الكفر...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

... وهذه الآية كما فتحت الباب أمام المؤمنين للتفكير في الخلاص من أذى المشركين، والهجرة من مكة إلى المدينة، على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} (97: 4) فتحت الباب أيضا في وجه المسلمين أجمعين، للسير في أرض الله، والتعرف على صنع الله، والقيام بالدعوة إلى الله، وذلك هو ما قام به المسلمون الأولون، عندما جابوا أكناف الأرض، طولها والعرض، فانشؤوا دار الإسلام، وآخوا في دين الله بين مختلف السلالات والأقوام...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

... بتعبير آخر: إنّ الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبداً لله، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والانتصار في جميع الجهات... وجملة (فإيّاي فاعبدون) إشارة إلى هذا المعنى، كما ورد هذا التعبير في الآية (56) من سورة الذاريات (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون). فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا، فلا سبيل عندئذ إلاّ الهجرة، فأرض الله واسعة، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أُخرى، ولا يكون أسيراً لمفاهيم «القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل» في مثل هذه الموارد، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها، فإنّ احترام هذه الأُمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائماً غير مخاطر به، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلي «عبادة الله» مخاطراً به فلا سبيل إلاّ الهجرة!