تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

{ 101 - 114 } { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } يخبر تعالى عن هول يوم القيامة ، وما في ذلك اليوم ، من المزعجات والمقلقات ، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث ، فحشر الناس أجمعون ، لميقات يوم معلوم ، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم ، التي هي أقوى الأسباب ، فغير الأنساب من باب أولى ، وأنه لا يسأل أحد أحدا عن حاله ، لاشتغاله بنفسه ، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها ؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها ؟ قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }{[555]} .

وفي القيامة مواضع ، يشتد كربها ، ويعظم وقعها ، كالميزان الذي يميز به أعمال العبد ، وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه ، وتبين فيه مثاقيل الذر ، من الخير والشر .


[555]:- في النسختين وقع تداخل بين آيات سورة عبس وآيات سورة المعارج فكانت أقرب إلى آيات سورة عبس فأثبتها منها
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن ما ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم ، لا أحسابهم ولا أنسابهم . فقال - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } .

والأنساب : جمع نسب . والمراد به القرابة ، والمراد بالنفخ فى الصور : النفخة الثانية التى يقع عندها البعث والنشور . وقيل : النفخة الأولى التى عندها يُحِيى الله الموتى .

والمراد بنفى الأنساب : انقطاع آثارها التى كانت مترتبة عليها فى الدنيا ، من التفاخر بها ، والانتفاع بهذه القرابة فى قضاء الحوائج .

أى : فإذا نفخ إسرافيل - عليه السلام - فى الصور - وهو آلة نُفَوض هيئتها إلى الله - تعالى - ، فلا أنساب ولا أحساب بين الناس نافعة لهم فى هذا الوقت ، إذ النافع فى ذلك الوقت هو الإيمان والعمل الصالح .

ولا هم يستاءلون فيما بينهم لشدة الهول ، واستيلاء الفزع على النفوس ولا تنافى بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } فإن كل آية تحكى حالة من الحالات ، ويوم القيامة له مواقف متعددة ، فهم لا يتساءلون من شدة الهول فى موقف . ويتساءلون فى آخر عندما يأذن الله - تعالى - لهم بذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

99

ثم يستطرد السياق إلى ذلك اليوم ، يصوره ويعرضه للأنظار .

( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) . .

إنما تقطعت الروابط ، وسقطت القيم التي كانوا يتعارفون عليها في الدنيا ( فلا أنساب بينهم يومئذ ) . وشملهم الهول بالصمت ، فهم ساكنون لا يتحدثون ( ولا يتساءلون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

يخبر تعالى أنه إذا نفخ في الصور نفخة النشور ، وقام الناس من القبور ، { فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ } أي : لا تنفع الأنساب يومئذ ، ولا يرثي والد لولده ، ولا يلوي عليه ، قال الله تعالى : { وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا . يُبَصَّرُونَهُمْ } [ المعارج : 10 ، 11 ] أي : لا يسأل القريب قريبه وهو يبصره ، ولو كان عليه من الأوزار ما قد أثقل ظهره ، وهو كان أعز الناس عليه - كان - في الدنيا ، ما التفت إليه ولا حمل عنه وزن جناح بعوضة ، قال الله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] .

وقال ابن مسعود : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد : ألا من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه : قال : فيفرح{[20669]} المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا ؛ ومصداق ذلك في كتاب الله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } رواه ابن أبي حاتم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثتنا أم بكر بنت المِسْوَر بن مَخْرَمَة ، عن عُبَيْد الله بن أبي رافع ، عن المِسْوَر - هو ابن مَخْرَمَة - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاطمة بَضْعَةٌ مني ، يَقْبِضُني ما يقبضها ، ويَبْسُطني ما يبسطها{[20670]} وإن الأنساب تنقطع{[20671]} يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " . {[20672]}

هذا الحديث له أصل في الصحيحين عن المسور أن{[20673]} رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فاطمة بضعة مني ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها " {[20674]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا زهير ، عن عبد الله بن محمد ، عن حمزة بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر : " ما بال رجال يقولون : إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ؟ بلى ، والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإني - أيها الناس - فرط لكم ، إذا{[20675]} جئتم " قال رجل : يا رسول الله ، أنا فلان بن فلان ، [ وقال أخوه : أنا فلان ابن فلان ]{[20676]} فأقول لهم : " أما النسب فقد عرفت ، ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى " . {[20677]} وقد ذكرنا في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب{[20678]} من طرق متعددة عنه ، رضي الله عنه : أنه لما تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، قال : أما - والله - ما بي إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل سبَبٍ ونَسب فإنه منقطع يوم القيامة ، إلا سببي ونسبي " .

رواه{[20679]} الطبراني ، والبزار والهيثم بن كليب ، والبيهقي ، والحافظ الضياء في " المختارة " {[20680]} وذكرنا أنه أصدقها أربعين ألفا ؛ إعظاما وإكراما ، رضي الله عنه ؛ فقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي العاص بن الربيع - زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - من طريق أبي القاسم البغوي : حدثنا سليمان بن عمر بن الأقطع ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن محمد ابن عباد بن جعفر ، سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري " {[20681]} . وروي فيها من طريق عمار بن سيف ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : " سألت ربي عز وجل ألا أتزوج إلى أحد من أمتي ، ولا يتزوج إلي أحد منهم ، إلا كان معي في الجنة ، فأعطاني ذلك " {[20682]} . ومن حديث عمار بن سيف ، عن إسماعيل ، عن عبد الله بن عمرو .


[20669]:- في أ : "فيفرح والله".
[20670]:- في أ : "يفيضني ما يفيضها وينشطني ما ينشطها".
[20671]:- في أ : "منقطع".
[20672]:- المسند (4/323).
[20673]:- في ف ، أ : "عن".
[20674]:- صحيح البخاري برقم (3714) وصحيح مسلم برقم (2449).
[20675]:- في ف ، أ : "فإذا".
[20676]:- زيادة من ف ، أ ، والمسند.
[20677]:- المسند (3/18).
[20678]:- مسند عمر بن الخطاب لابن كثير (1/389).
[20679]:- في أ : "ورواه الحافظ".
[20680]:- المعجم الكبير (3/45) ومسند البزار برقم (2445) "كشف الأستار" وسنن البيهقي الكبرى (7/64) والمختارة للمقدسي برقم (281).
[20681]:- تاريخ دمشق (19/119 "المخطوط") ورواه علي بن سعيد عن سليمان بن عمر الرقي عن إبراهيم بن عبد السلام عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن الزبير مرفوعا ، وأخرجه الطبراني في الأوسط برقم (3963).
[20682]:- تاريخ دمشق (19/119 "المخطوط") ورواه الطبراني في الأوسط برقم (3961) "مجمع البحرين" من طريق يزيد بن الكميت عن عمار بن سيف به. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/85) : "إسناده واه" وفي الباب عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

{ فإذا نفخ في الصور } لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن { الصور } أيضا جمع الصورة . { فلا أنساب بينهم } تنفعهم لزاول التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها . { يومئذ } كما يفعلون اليوم . { ولا يتساءلون } ولا يسأل بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه ، وهو لا يناقض قوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } لأنه عند النفخة وذلك بعد المحاسبة ، أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار .