قوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور } الآية لمَّا قال : { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 100 ] ذكر أحوال ذلك اليوم فقال : { فَإِذَا{[33373]} نُفِخَ فِي الصور }{[33374]} وقرأ العامة بضم الصاد وسكون الواو ، وهو آلة إذا نُفِخ فيها ظهر صوت عظيم جعله الله علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات ، قال عليه السلام{[33375]} : «إِنَّه قَرْنٌ يُنفخُ فِيه »{[33376]} {[33377]} . وقرأ ابن عباس والحسن : بفتح الواو{[33378]} جمع صُورة . والمعنى : فإذا نُفخ في الصور أَرْوَاحها{[33379]} وقرأ أبو رزين{[33380]} : بكسر الصاد وفتح الواو{[33381]} ، وهو{[33382]} شاذ{[33383]} . هذا عكس ( لُحَى ) بضم اللام جمع ( لِحْية ) بكسرها{[33384]} . وقيل : إنّ النفخ في الصور استعارة ، والمراد منه البعث والحشر .
قوله : «فَلا أَنْسَابَ » الأنساب جمع نَسَب ، وهو القرابة من جهة الولادة ، ويُعبّر به عن التواصل ، وهو في الأصل مصدر قال :
لاَ نَسَبَ اليَوْمَ وَلاَ خُلَّةً *** اتسعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ{[33385]}
قوله : «بَيْنَهُم » يجوز تعلقه بنفس «أَنْسَابَ » ، وكذلك «يَوْمَئِذٍ » ، أي : فلا قربة بينهم في ذلك اليوم{[33386]} . ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه صفة{[33387]} ل «أَنْسَابَ » ، والتنوين في «يَوْمَئِذٍ » عوض عن{[33388]} جملة تقديره : يومئذ نفخ في الصور .
من المعلوم{[33389]} أنَّه تعالى إذا أَعادهم فالأنساب ثابتة ، لأنّ المعاد هو الولد والوالد ، فلا يجوز أن يكونَ المراد نفي النسب حقيقة بل المراد نفي حكمه وذلك من وجوه :
أحدها : أنّ من حق النسب أنْ يقع به التعاطف والتراحم كما يُقال في الدنيا : أسألك باللَّه والرحم أن تفعل كذا ، فنفى سبحانه ذلك من حيث أنَّ كل أحد من أهل النار يكون مشغولاً بنفسه ، وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب كما أنَّ الإنسان في الدنيا إذا كان في آلام عظيمة ينسى ولده ووالده .
وثانيها : أنَّ من حق النسب أنْ يحصل به التفاخر في الدنيا ، وأنْ يسأل البعض عن أحوال البعض ، وفي الآخرة لا يَتَفَرغونَ لذلك .
وثالثها : أنّ ذلك عبارة عن الخوف الشديد ، فكل امرئٍ مشغول بنفسه عن نسبه وأخيه وفصيلته التي تؤويه . قال ابن مسعود : يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينادي منادٍ ألا إنّ هذا فلان فمن له عليه حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء يومئذ أن يثبت له الحق على أمه أو أخيه أو أبيه ثم قرأ ابن مسعود { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ }{[33390]} وروى عطاء عن ابن عباس : أنّها النفخة الثانية {[33391]} .
{ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ } أي : لا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا مَنْ أنت ؟ ومن أي قبيلة أنت{[33392]} ؟ ولم يرد أنّ الأنساب تنقطع .
فإن قيل : أليس قد جاء في الحديث : «كل سَبَبٍ{[33393]} ونسب ينقطع إلا سَبَبِي{[33394]} ونَسَبِي »{[33395]} قيل معناه : لا ينفع يوم القيامة سبب ولا نسب إلاّ سببه ونسبه ، وهو الإيمان والقرآن{[33396]} .
فإن قيل : قد قال ههنا{[33397]} «وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ » وقال : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيما }{[33398]} . [ المعارج : 10 ] . وقال { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ }{[33399]} [ الصافات : 27 ] .
فالجواب : رُوي عن ابن عباس أنّ للقيامة أحوالاً ومواطن ، ففي موطن يشتد{[33400]} عليهم الخوف فيشغلهم عِظَم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون إفاقة يتساءلون . وقيل : إذا نفخ في الصور نفخة واحدة شُغلوا بأنفسهم عن التساؤل ، فإذا نفخ فيه أخرى أقبل بعضهم على بعض وقالوا : { يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }{[33401]} [ يس : 52 ] . وقيل : المراد لا يتساءلون بحقوق النسب . وقيل : «لاَ يَتَسَاءَلُونَ » صفة للكفار لشدة خوفهم ، وأمّا قوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] فهو صفة أهل الجنة إذا دخلوها{[33402]} . وعن الشعبي قالت عائشة : «يا رسول الله أما نتعارف يوم القيامة أسمع الله يقول : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ } فقال عليه السلام{[33403]} «ثلاثة مواطن تذهل فيها كُلُّ مرضعةٍ عما أرضعت عند رؤية القيامة{[33404]} وعند الموازين وعلى جسر جهنم »{[33405]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.