فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

{ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ } قيل هذه هي النفخة الأولى ، قاله ابن عباس . وقيل الثانية قاله ابن مسعود وهذا أولى . وهي النفخة التي بين البعث والنشور . وقيل المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها ، على أن الصور جمع صورة لا القرن وقد قرئ بها وبضم الصاد وسكون الواو ، والقرن الذي ينفخ فيه { فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } يتفاخرون بها أو تنفعهم لزوال التراحم والتعاطف ، أي لا يذكرونها لما هم فيه من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة ، وهو جمع نسب وهو القرابة .

{ وَلا يَتَسَاءلُونَ } أي لا يسأل بعضهم بعضا عنها ، فإن لهم إذ ذاك شغلا شاغلا . ومنه قوله : { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه } وقوله : { ولا يسأل حميم حميما } ولا ينافي هذا ما في الآية الأخرى من قوله : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } فإن ذلك محمول على اختلاف المواقف يوم القيامة فالإثبات باعتبار بعضها والنفي باعتبار بعض آخر ، كما قررناه في نظائر هذا ، مما أثبت تارة ونفي أخرى .

وعن ابن عباس في الآية قال : حين ينفخ في الصور فلا يبقى حي إلا الله . وعنه أنه سئل عن هذه الآية . وقوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } قال : إنها مواقف ، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون فعند الصعقة الأولى لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا ، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون وعنه أنه سئل عن الآيتين فقال : هذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء ، وذاك لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ، وفي لفظ يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين ، ثم يناد مناد ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه .

وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري ) {[1267]} .

وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والحاكم والضياء في المختارة عن عمر ابن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ) {[1268]} .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري ) {[1269]} وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : ( ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومه ، بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، وإني أيها الناس فرط لكم ) {[1270]} .


[1267]:الإمام أحمد 4/323 ـ 4/332.
[1268]:صحيح الجامع الصغير 4403.
[1269]:صحيح الجامع الصغير 4440.
[1270]:أحمد بن حنبل 3/18 ـ 3/39.