الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} (101)

ثم قال تعالى : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ }[ 102 ] .

أي : فإذا نفخ إسرافيل في القرن .

وقال أبو عبيدة{[47649]} : الصور جمع صورة ، ومعناه : فإذا نفخ في صور الناس الأرواح .

قال ابن مسعود : ( الصور ) : قرن .

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال{[47650]} : " كيف أنعم{[47651]} وقد التقم صاحب القرن القرن وحتى جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر متى يؤمر .

ثم قال : { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } وقد قال في موضع آخر : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون{[47652]} } فمعنى قول ابن عباس{[47653]} فيه ، أنه إذا نفخ في الصور أول نفخة ، تقطعت الأرحام ، وصعق من في السماوات ومن في الأرض ، وشغل بعض الناس عن بعض بأنفسهم ، فعند ذلك لا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإذا نفخت النفخة الثانية قاموا ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، فذلك في وقتين مختلفين .

وقيل{[47654]} : معناه : لا تفاخر بينهم بالأنساب في القيامة كما يتفاخرون في الدنيا بالأنساب . ولا يتساءلون في الآخرة كما يتساءلون في الدنيا فيقولون من أي قبيلة الرجل .

وعن ابن عباس{[47655]} : أيضا أن رجلا سأله عن الآيتين فقال : أما قوله : { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فذلك في النفخة الأولى ، لا يبقى على الأرض شيء ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، وأما قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( فإنهم لما دخلوا الجنة ، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وبذلك قال السدي .

وعن ابن مسعود{[47656]} أن ذلك في الموقف في النفخة الثانية قال : يؤخذ بيد العبد{[47657]} والأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين قال وينادي مناد : هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبلهُ فليأت إلى حقه . قال : فتفرح{[47658]} المرأة يومئذ أن يكون لها حق على أبيها أو على ابنها{[47659]} أو على أخيها أو على زوجها ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فيقول الرب عز وجل للعبد : اعط هؤلاء حقوقهم ، فيقول : أي : رب ، فنيت الدنيا ، فمن أين أعطيهم ، فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة{[47660]} وأعطوا كل إنسان مقدار طلبته ، فإن كان له فضلثقال حبة من خردل ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ، ثم تلا ابن مسعود : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } الآية ، وإن كان عبدا شقيا قالت الملائكة : ربنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثير ، فيقول تعالى : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته ، وصكوا له صكا إلى النار .

وقال ابن جريج في الآية : لا يسأل يومئذ أحد شيئا ، ولا يمت{[47661]} إليهم برحم ، ولا يتساءلون .

وقال قتادة : ليس شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يدعى عليه شيئا ، ثم قرأ{[47662]} : { يوم يفر المرء من أخيه } . . . إلى . . . { يغنيه } .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، نادى مناد من تحت العرش . يا أهل المظالم تداركوا{[47663]} مظالمكم وأدخلوا الجنة .

ومعنى : { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } أي : لا يتفاخرون بالأنساب يوم القيامة ولا يتساءلون بها كما كانوا يفعلون في الدنيا .

وقيل : إن يوم القيامة مقداره{[47664]} خمسين ألف عام ، ففيه أزمنة فأحوالهم تختلف فيه ، فمرة يتساءلون ، ومرة لا يتساءلون .


[47649]:انظر: مجاز القرآن 1/196.
[47650]:انظر: الترمذي 4/42 (كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في الصور).
[47651]:ز: أنعم الله.
[47652]:قوله: (وقد قال...يتساءلون) ساقط من ز.
[47653]:انظر: الدر المنثور 5/15.
[47654]:القول لابن عباس في تفسير القرطبي 12/151.
[47655]:انظر: تفسير القرطبي 12/151، والدر المنثور 5/15.
[47656]:انظر: جامع البيان 18/54، وتفسير القرطبي 12/151، والدر المنثور 5/15.
[47657]:ع: أو. والمثبت في النص من ز.
[47658]:ز: فتعود (تحريف).
[47659]:ابنها سقطت من ز.
[47660]:ز: الصالحات.
[47661]:ز: بيت.
[47662]:ع: قال: والتصويب. من ز: عبس آية 34.
[47663]:ز: شاركوا.
[47664]:ز: مقدار.