{ 50 - 52 ْ } { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ْ }
يقول تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا ْ } وقت نومكم بالليل { أَوْ نَهَارًا ْ } في وقت غفلتكم { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ْ } أي : أي بشارة استعجلوا بها ؟ وأي عقاب ابتدروه ؟ .
ثم ساقت السورة الكريمة ألوانا أخرى من الأجوبة التي لقنها الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لكي يرد بها على المشركين الذين تعجلوا العذاب كما صورت أحوالهم عندما يرون العذاب ، فقال - تعالى - :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً . . . }
قوله " أرأيتم " بمعنى أخبروني . وكلمة أرأيت تستعمل في القرآن للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل ، فهو استفهام للتنبيه مؤداه : أرأيت كذا أو عرفته ؟ إن لم تكن أبصرته أو عرفته فانظره وتأمله وأخبرني عنه .
ولما كانت الرؤية للشيء سببا لمعرفته وللإِخبار عنه ، أطلق السبب وأريد المسبب فهو مجاز مرسل علاقته السببية والمسببية .
وقوله : بياتا أى : ليلا ، ومنه البيت لأنه يبات فيه . يقال : بات يبيت بيتا وبياتا .
وقوع العذاب سواء أكان بالليل أم بالنهار لا يمكن دفعه ، ولا يمكن أن يتعجله عاقل ، لأنه - كما يقول صاحب الكشاف - : كل مكروه ، مر المذاق ، موجب للنفار منه ، فكيف ساغ لكم أن تستعجلوا نزول شيء فيه هلاككم ومضرتكم ؟ ! !
وقال - سبحانه - { بياتا } ولم يقل ليلا ، للإِشعار بمجئ العذاب في وقت غفلتهم ونومهم بحيث لا يشعرون به ، فهم قد يقضون جانبا من الليل في اللهو واللعب ، ثم ينامون فيأتيهم العذاب في هذا الوقت الذي هجعوا فيه .
فالآية الكريمة توبيخ لهم على استعجالهم وقوع شيء من شأن العقلاء أنهم يرجون عدم وقوعه .
ولذا قال القرطبي : " قوله : { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون } استفهام معناه التهويل والتعظيم . أى : ما أعظم ما يستعجلون به . كما يقال لمن يطلب أمرا تستوخم عاقبته : ماذا تجني على نفسك " .
وجواب الشرط لقوله : { إِنْ أَتَاكُمْ . . . } محذوف والتقدير : إن أتاكم عذابه في أحد هذين الوقتين أفزعكم وأهلككم فلماذا تستعجلون وقوع شيء هذه نتائجه ؟
وقد ذكر صاحب الكشاف وجها خر بعد أن ذكر هذا الوجه فقال : فإن قلت : فهلا قيل ماذا يستعجلون منه ؟ قلت : أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإِجرام ، لأن من شأن المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ، ويهلك فزعا من مجيئه ون أبطأ - فضلا عن أن يستعجله - ويجوز أن يكون { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون } جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني .
ثم يبادرهم السياق بلمسة وجدانية تنقلهم من موقف السائل المستهزئ المتحدي ، إلى موقف المهدد الذي قد يفاجئه المحظور في كل لحظة من الليل أو النهار :
( قل : أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ، ماذا يستعجل منه المجرمون ? ) . .
فهذا العذاب المغيب الذي لا يُعلم موقعه وموعده ؛ والذي قد يحل بياتاً وأنتم نيام ، أو نهاراً وأنتم أيقاظ ، لا يجديكم في رده الصحو . . ما الذي يستعجل منه المجرمون ? وهو عذاب لا خير لهم في استعجاله على كل حال .
ثم أخبرهم أن عذاب الله سيأتيهم بغتة ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا } أي : ليلا أو نهارا ، { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه } يعني : أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، وقال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 84 ، 85 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك : أرأيتم إن أتاكم عذاب الله بياتا ، يقول : ليلاً أو نهارا ، وجاءت الساعة ، وقامت القيامة أتقدرون على دفع ذلك عن أنفسكم ؟ يقول الله تعالى ذكره : ماذا يَسْتعَجل من نزول العذاب المجرمون الذين كفروا بالله ، وهم الصّالون بحرّه دون غيرهم ، ثم لا يقدرون على دفعه عن أنفسهم .
المعنى : قال يا أيها الكفرة المستعجلون عذاب الله عز وجل { أرأيتم إن أتاكم عذابه } ليلاً وقت المبيت ، يقال : بيت القوم القوم إذا طرقوهم ليلاً بحرب أو نحوها { أو نهاراً } لكم منه منعة أو به طاقة ؟ فماذا تستعجلون منه ، وأنتم لا قبل لكم به ؟ و «ما » ابتداء و «ذا » خبره ، ويصح أن تكون { ماذا } بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء وخبره الجملة التي بعده ، وضعف هذا أبو علي وقال : إنما يجوز ذلك على تقدير إضمار في { يستعجل } وحذفه كما قال [ أبو النجم ] : [ الرجز ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كله لم أصنع{[6133]}
وزيدت ضربت قال : ويصح أن تكون { ماذا } في حال نصب ل { يستعجل } ، والضمير في { منه } يحتمل أن يعود على الله عز وجل ، ويحتمل أن يعود على «العذاب » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.