نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوۡ نَهَارٗا مَّاذَا يَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (50)

ولما كان جل{[38063]} قصدهم بذلك الاستهزاء ، وكان وقوعه أمراً ممكناً ، وكان من شأن العاقل أن يبعد عن كل خطر ممكن ، أمره صلى الله عليه وسلم بجواب آخر حذف منه واو العطف لئلا يظن أنه لا يكفي في كونه جواباً إلا بضمنه إلى ما عطف عليه فقال : { قل } أي لمن استبطأ وعيدنا بالعذاب في الدنيا أو في الأخرى ، وهو لا يكون إلا بعد الأخذ في الدنيا إعلاماً بأن الذي يطلبونه ضرر لهم محض لا نفع{[38064]} فيه بوجه ، فهو مما لا يتوجه إليه قصد عاقل { أرءيتم } وهي من رؤية{[38065]} القلب لأنها دخلت على الجملة من الاستفهام { إن أتاكم عذابه } في الدنيا .

ولما كان أخذ الليل أنكى وأسرع ، قدمه فقال : { بياتاً } أي{[38066]} في الليل بغتة وأنتم نائمون كما يفعل العدو ؛ ولما كان الظفر ليلاً لا يستلزم الظفر نهاراً مجاهرة قال : { أو نهاراً } أي مكاشفة وأنتم مستيقظون ، أتستمرون على عنادكم فلا تؤمنوا ؟ فكأنهم قالوا : لا ، فليجعل به ليرى ، فقيل : إنكم لا تدرون ما تطلبون ! إنه لا طاقة لمخلوق بنوع منه ، ولايجترىء على مثل هذا الكلام إلا مجرم { ماذا } أي ما الذي ؟ ويجوز أن يكون هذا جواب الشرط { يستعجل } أي يطلب العجلة { منه } أي من عذابه ، وعذابه كله مكروه لايحتمل شيء منه { المجرمون* } إذ سنة الله قد استمرت بأن المكذب لا يثبت إلا عند مخايله ، وأما إذا برك بكلكله وأناخ بثقله{[38067]} فإنه يؤمن حيث لا ينفعه الإيمان{ ولن تجد لسنةِ الله تحويلاً }[ فاطر : 43 ] وهذا معنى التراخي في قوله : { أثُمَّ إذا ما وقع } .


[38063]:في ظ: جعل.
[38064]:من ظ، وفي الأصل: ينفع.
[38065]:في ظ: رواية.
[38066]:زيد من ظ.
[38067]:من ظ، وفي الأصل: بنقله.