محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوۡ نَهَارٗا مَّاذَا يَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (50)

[ 50 ] { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون 50 } .

{ قل أرأيتم } أي أخبروني { إن أتاكم عذابه } أي الذي تستعجلون به { بياتا } أي ليلا { أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون } أي ولا شيء منه بمرغوب البتة .

لطائف :

الأولى ( أرأيت ) يستعمل بمعنى الاستفهام عن الرؤية البصرية أو العلمية ، وهو أصل وضعه . ثم استعملوه بمعنى ( أخبرني ) والرؤية فيه يجوز أن تكون بصرية وعلمية . فالتقدير : أأبصرت حالته العجيبة ، أو أعرفتها ؟ فأخبرني عنها . ولذا لم يستعمل في غير الأمر العجيب . ولما كانت رؤية الشيء سببا لمعرفته ، ومعرفته سببا للإخبار عنه ، أطلق السبب القريب . / أو البعيد ، وأريد مسببه ، وهل هو بطريق التجوز كما ذهب إليه كثير ، أو التضمين كما ذهب إليه أبو حيان كذا في ( العناية ) .

الثانية سر إيثار { بياتا } على ( ليلا ) مع ظهور التقابل فيه ، الإشعار بالنوم والغفلة ، وكونه الوقت الذي يبيت فيه العدو ، ويتوقع فيه ، ويغتنم فرصة غفلته . وليس في مفهوم الليل هذا المعنى ، ولم يشتهر شهرة النهار بالانشغال بالمصالح والمعاش ، حتى يحسن الاكتفاء بدلالة الالتزام كما في النهار . أو النهار كله محله الغفلة ، لأنه إما زمان اشتغال بمعاش أو غذاء ، أو زمان قيلولة . كما في قوله{[4740]} : { بياتا أو هم قائلون } بخلاف الليل ، فإن محل الغفلة فيه ما قارب وسطه ، وهو وقت البيات ، فلذا خص بالذكر دون النهار . و ( البيات ) بمعنى التبييت كالسلام بمعنى التسليم ، لا بمعنى البيتوتة .

الثالثة قيل : إن استعجالهم العذاب ، كان المقصود منه الاستبعاد والاستهزاء ، دون ظاهره ، فورود ( ما ) هنا في الجواب على الأسلوب الحكيم . لأنهم ما أرادوا بالسؤال إلا الاستبعاد أن الموعود منه تعالى ، وأنه افتراء ، فطالبوا منه تعيين وقته تهكما وسخرية ، فقال في جوابهم هذا التهكم لا يتم إذا كنت مقرا بأني مثلكم ، وأني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ، فكيف أدعي ما ليس لي به حق ؟ ثم شرع في الجواب الصحيح ولم يلتفت إلى تهكمهم واستبعادهم أفاده الطيبي .

الرابعة سر إيثار { ماذا يستعجل منه المجرمون } على ( ماذا يستعجلون منه ) هو الدلالة على موجب ترك الاستعجال ، وهو الإجرام ، لأن من حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه ، ويهلك فزعا من مجيئه ، وإن أبطأ ، فضلا عن أن يستعجله كذا في ( الكشاف ) .

قال في ( الانتصاف ) . وفي هذا النوع البليغ نكتتان :

إحداهما : وضع الظاهر مكان المضمر .

/ والأخرى : ذكر الظاهر بصيغة زائدة مناسبة للمصدر .

وكلاهما مستقل بوجه من البلاغة والمبالغة والله أعلم .


[4740]:[7 / الأعراف / 4].