فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُهُۥ بَيَٰتًا أَوۡ نَهَارٗا مَّاذَا يَسۡتَعۡجِلُ مِنۡهُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (50)

قوله : { قُلْ أَرَأيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ } هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأوّل : أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله { بَيَاتًا } أي : وقت بيات ، والمراد به : الوقت الذي يبيتون فيه ، وينامون ويغفلون ، عن التحرز ، والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم ، وهو منتصب على الظرفية ، وكذلك نهاراً : أي وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب ، والضمير في منه راجع إلى العذاب ، وقيل : راجع إلى الله ، والاستفهام في : { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون } للإنكار المتضمن للنهي ، كما في قوله : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم : أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب ، وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له ؟ والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء ، وقيل : إن الجواب محذوف ، والمعنى : تندموا على الاستعجال ، أو تعرفوا الخطأ منكم فيه . وقيل : إن الجواب قوله : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } وتكون جملة { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون } اعتراضاً ، والمعنى : إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان . والأوّل : أولى . وإنما قال : يستعجل منه المجرمون ، ولم يقل : يستعجلون منه ؛ للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال ، وهو الإجرام ؛ لأن من حقّ المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه ، فكيف يستعجله ؟ كما يقال لمن يستوخم أمراً إذا طلبه : ماذا تجني على نفسك . وحكى النحاس عن الزجاج ، أن الضمير في { مِنْهُ } إن عاد إلى العذاب كان لك في { مَاذَا } تقديران : أحدهما : أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذي ، وهو خبر ما ، والعائد محذوف . والتقدير الآخر : أن يكون { مَاذَا } إسماً واحداً في موضع رفع بالابتداء ، والخبر ما بعده ، وإن جعل الضمير في { مِنْهُ } عائداً إلى الله تعالى ، كان { مَاذَا } شيئاً واحداً في موضع نصب بيستعجل ، والمعنى : أيّ شيء يستعجل منه المجرمون : أي من الله عزّ وجلّ .

/خ58