{ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ } فإن الله على كل شيء قدير فلا يفوته هارب ولا يغالبه مغالب . { وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرسل ووصلت إليه النذر بالآيات البينات ، والحجج المتواترات فأعرض واستكبر ؟ "
ثم ختموا الترغيب فى الإِيمان بالترهيب من الإِصرار على الكفر والمعاصى فقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض } .
أى : قالوا لقومهم إنكم إذا أجبتم داعى الله ، غفر لكم - سبحانه - ذنوبكم أما الذى يعرض عن هذا الداعى الصادق الأمين ، فإنه لن يستطيع أن يفلت من عذاب الله ، ولن يقدر على الهرب من عقابه ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ ، ولا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .
{ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } أى : وليس لهذا المُعْرِض من أنصار يستطيعون دفع عذاب الله عنه .
{ أولئك } أى : الذين لم يجيبوا داعى الله { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أى : فى ضلال واضح لا يخفى على أحد من العقلاء .
هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآيات :
1- أن رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - كانت إلى الإِنس والجن ، لأن هذه الآيات تحكى إيمان بعض الجن به - صلى الله عليه وسلم - ودعوتهم غيرهم إلى الإِيمان به .
2- أن هذه الآيات تدل على أن حكم الجن كحكم الإِنس فى الثواب واعقاب وفى وجوب العمل بما أمرهم الله - تعالى - به وفى وجوب الانتهاء عما نهاهم عنه ، لأن قوله - تعالى - : { ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .
أقول : هاتان الآيتان اللتان حكاهما الله - تعالى - على ألسنة بعض الجن تدلان على ثواب المطيع ، وعذاب العاصى .
قال بعض العلماء ما ملخصه : وقد دلت آية أخرى على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة وهى : قوله - تعالى - فى سورة الرحمن : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ويستأنس لهذا - أيضا - بقوله - تعالى - : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } فإنه يشير إلى أن فى الجنة جنا يطمثون النساء كالإِنس .
وبهذا يعلم أن ما ذهب إليه بعض العلماء ، أنه يفهم من قوله - تعالى - : { ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أن المؤمنين من الجن لا يدخلون الجنة ، وأن جزاء إيمانهم ، وإجابتهم داعى الله ، هو الغفران وإجارتهم من العذاب الأليم فقط . . هذا الفهم إنما هو خلاف التحقيق ، وأن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة . .
ويروي ابن إسحاق أن مقالة الجن انتهت عند هذه الآية . ولكن السياق يوحي بأن الآيتين التاليتين هما من مقولات النفر أيضا . ونحن نرجح هذا وبخاصة الآية التالية :
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، وليس له من دونه أولياء . أولئك في ضلال مبين ) . .
فهي تكملة طبيعية لنذارة النفر لقومهم فقد دعوهم إلى الاستجابة والإيمان . فالاحتمال قوي وراجح أن يبينوا لهم أن عدم الاستجابة وخيم العاقبة . وأن الذي لا يستجيب لا يعجز الله أن يأتي به ويوقع عليه الجزاء . ويذيقه العذاب الأليم ؛ فلا يجد له من دون الله أولياء ينصرونه أو يعينونه . وأن هؤلاء المعرضين ضالون ضلالا بينا عن الصراط المستقيم .
وكذلك الآية التي بعدها يحتمل كثيرا أن تكون من كلامهم ، تعجيبا من أولئك الذين لا يستجيبون لله ؛ حاسبين أنهم سيفلتون ، أو أنه ليس هناك حساب ولا جزاء :
ثم قال مخبرا عنه : { وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ } أي : بل قدرة الله شاملة له ومحيطة به ، { وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ } أي : لا يجيرهم منه أحدٌ { أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } وهذا مقامُ تهديد وترهيب ، فَدَعَوا قومهم بالترغيب والترهيب ؛ ولهذا نجع في كثير منهم ، وجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودا وفودا ، كما تقدم بيانه .
وقوله : وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر لقومهم : ومن لا يجب أيّها القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا ، وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه من توحيده ، والعمل بطاعته فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ يقول : فليس بمعجز ربه بهربه ، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه ، وتركه تصديقه وإن ذهب في الأرض هاربا ، لأنه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أوْلِياءُ يقول : وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نُصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه .
وقوله : أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول : هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدّقوا به ، وبما دعاهم إليه من توحيد الله ، والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل ، وأخذ على غير استقامة ، مبين : يقول : يبين لمن تأمله أنه ضلال ، وأخذ على غير قصد .
وقوله تعالى : { ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز } الآية ، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد عليه السلام ، والمراد بها إسماع الكفار وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن : { أجيبوا داعي الله } فلما حكى ذلك قيل ومن لا يفعل هذا فهو بحال كذا ، والمعجز الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه ، وروي عن ابن عامر : «وليس لهم من دونه » بزيادة ميم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.