{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ْ } فإنه لا ينفع الإيمان حين حلول عذاب الله ، ويقال لهم توبيخًا وعتابًا في تلك الحال التي زعموا أنهم يؤمنون ، { الْآنَ ْ } تؤمنون في حال الشدة والمشقة ؟ { وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ْ } فإن سنة الله في عباده أنه يعتبهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب ، فإذا وقع العذاب لا ينفع نفسًا إيمانها ، كما قال تعالى عن فرعون ، لما أدركه الغرق { قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ْ } وأنه يقال له : { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ْ } .
وقال تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ْ } وقال هنا : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ، آلْآنَ ْ } تدعون الإيمان{[401]} { وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ْ } فهذا ما عملت أيديكم ، وهذا ما استعجلتم به .
وقوله - سبحانه - { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ . . . } زيادة في تجهيلهم وتأنيبهم والهمزة داخلة على محذوف ، و { ثم } حرف عطف يدل على الترتيب والتراخي وجيء به هنا للدلالة على زيادة الاستبعاد .
والمعنى : إنكم أيها الجاهلون لستم بصادقين فيما تطلبون ، لأنكم قبل وقوع العذاب تتعجلون وقوعه ، فإذا ما وقع وشاهدتم أهواله . وذقتم مرارته . . آمنتم بأنه حق ، وتحول استهزاؤكم به إلى تصديق وإذعان وتحسر .
وقوله : { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } قصد به زيادة إيلامهم وحسرتهم ولفظ { الآنَ } ظرف زمان يدل على الحال الحاضرة ، وهو في محل نصب على أنه ظرف لفعل مقدر .
أى : قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب : الآن آمنتم بأنه حق ؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستهزئون ، وتقوولن للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه :
{ متى هَذَا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ألا فلتعلموا : أن إيمانكم في هذا الوقت غير مقبول ، لأنه جاء في غير أوانه ، وصدق الله إذ يقول : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون }
وبينما هم في مفاجأة السؤال الذي ينقل مشاعرهم إلى تصور الخطر وتوقعه ، تفجؤهم الآية التالية بوقوعه فعلاً . . وهو لم يقع بعد . . ولكن التصور القرآني يرسمه واقعاً ، ويغمر به المشاعر ، ويلمس به الوجدان :
( أثم إذا ما وقع آمنتم به ? آلآن وقد كنتم به تستعجلون ? ! ) .
فكأنما قد وقع . وكأنما قد آمنوا به ، وكأنما يخاطبون بهذا التبكيت في مشهد حاضر يشهدونه الآن !
ثم أخبرهم أن عذاب الله سيأتيهم بغتة ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا } أي : ليلا أو نهارا ، { مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه } يعني : أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ، وقال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [ غافر : 84 ، 85 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَثُمّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الاَنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أهنالك إذا وقع عذاب الله بكم أيها المشركون آمنتم به ، يقول : صدّقتم به في حال لا ينفعكم فيها التصديق ، وقيل لكم حينئذ : آلاَن تصدّقون به ، وقد كنتم قبل الاَن به تستعجلون ، وأنتم بنزوله مكذّبون فذوقوا الاَن ما كنتم به تكذّبون . ومعنى قوله : أثُمّ في هذا الموضع : أهنالك وليست «ثم » هذه هاهنا التي تأتي بمعنى العطف .
{ أثُمّ إذا ما وقع آمنتم به } بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ، وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على " ثم " لإنكار التأخير . { الآن } على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به . وعن نافع { آلان } بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام . { وقد كنتم به تستعجلون } تكذيبا واستهزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.