تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

{ 31 - 33 ْ } ثم عدد تعالى الأدلة الأفقية فقال :

{ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ْ }

أي : ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته ، أنه لما كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال ، أرساها بها وأوتدها ، لئلا تميد بالعباد ، أي : لئلا تضطرب ، فلا يتمكن العباد من السكون فيها ، ولا حرثها ، ولا الاستقرار بها ، فأرساها بالجبال ، فحصل بسبب ذلك ، من المصالح والمنافع ، ما حصل ، ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض ، قد تتصل اتصالا كثيرا جدا ، فلو بقيت بحالها ، جبالا شامخات ، وقللا باذخات ، لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان .

فمن حكمة الله ورحمته ، أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا ، أي : طرقا سهلة لا حزنة ، لعلهم يهتدون إلى الوصول ، إلى مطالبهم من البلدان ، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

ثم ساق - سبحانه - أدلة أخرى على وحدانيته وقدرته فقال : { وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ . . . } .

الوراسى : جمع راسية ، من رسا الشىء إذا ثبت ورسخ ، والمراد بها الجبال الثابتة الراسخة فى الأرض .

أى : وجعلنا فى الأرض جبالا ثوابت ، كراهة أن { تَمِيدَ بِهِمْ } أى : أن تضطرب وتتحرك بهم الأرض . يقال : ماد الشىء يميد ميدا - من باب باع - إذا تحرك واهتز .

{ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، والفجاج .

جمع فج وهو الطريق الواسع .

والسبل : جمع سبيل وهو الطريق . وهو بدل من { فِجَاجاً } .

أى : وجعلنا فى الأرض طرقا واسعة ، ومنافذ متعددة ، لعلهم بذلك يهتدون ويتوصلون إلى الأماكن التى يريدون الوصول إليها . ويعلمون أن الذى وهبهم كل هذه النعم ، هو الله - تعالى - الذى يجب أن يخلصوا له العبادة والطاعة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

ثم يمضي في عرض مشاهد الكون الهائلة :

( وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ) . .

فيقرر أن هذه الجبال الرواسي تحفظ توازن الأرض فلا تميد بهم ولا تضطرب . وحفظ التوازن يتحقق في صور شتى . فقد يكون توازنا بين الضغط الخارجي على الأرض والضغط الداخلي في جوفها ، وهو يختلف من بقعة إلى بقعة : وقد يكون بروز الجبال في موضع معادلا لانخفاض الأرض في موضع آخر . . وعلى أية حال فهذا النص يثبت أن للجبال علاقة بتوازن الأرض واستقرارها . فلنترك للبحوث العلمية كشف الطريقة التي يتم بها هذا التوازن فذلك مجالها الأصيل . ولنكتف من النص القرآني الصادق باللمسة الوجدانية والتأمل الموحي ، وبتتبع يد القدرة المبدعة المدبرة لهذا الكون الكبير :

( وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ) . .

وذكر الفجاج في الجبال وهي الفجوات بين حواجزها العالية ، وتتخذ سبلا وطرقا . . ذكر هذه الفجاج هنا مع الإشارة إلى الاهتداء يصور الحقيقة الواقعة أولا ، ثم يشير من طرف خفي إلى شأن آخر في عالم العقيدة . فلعلهم يهتدون إلى سبيل يقودهم إلى الإيمان ، كما يهتدون في فجاج الجبال !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لّعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أو لم ير هؤلاء الكفار أيضا من حججنا عليهم وعلى جميع خلقنا ، أنا جعلنا في الأرض جبالاً راسية ؟ والرواسي : جمع راسية ، وهي الثابتة كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَجَعَلْنا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أي جبالاً .

وقوله : أنْ تَمِيدَ بِهِمْ يقول : أن لا تتكفأ بهم . يقول جلّ ثناؤه : فجعلنا في هذه الأرض هذه الرواسي من الجبال ، فثبتناها لئلا تتكفأ بالناس ، وليقدروا بالثبات على ظهرها . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانوا على الأرضِ تمور بهم لا تستقرّ ، فأصبحوا وقد جعل الله الجبال وهي الرواسي أوتادا للأرض وجَعَلْنَا فيها فِجَاجا سُبُلاً يعني مسالك ، واحدها فجّ . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا : أي أعلاما . وقوله : سُبُلاً أي طرقا ، وهي جمع السبيل .

وكان ابن عباس فيما ذَكر عنه يقول : إنما عنى بقوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا وجعلنا في الرواسي ، فالهاء والألف في قوله : وَجَعَلْنا فِيها من ذكر الرواسي .

حدثنا بذلك القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا سبلاً ، قال : بين الجبال .

وإنما اخترنا القول الاَخر في ذلك وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض ، لأنها إذا كانت من ذكرها دخل في ذلك السهل والجبل وذلك أن ذلك كله من الأرض ، وقد جعل الله لخلقه في ذلك كله فجاجا سبلاً . ولا دلالة تدلّ على أنه عنى بذلك فجاج بعض الأرض التي جعلها لهم سبلاً دون بعض ، فالعموم بها أولى .

وقوله : لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ يقول تعالى ذكره : جعلنا هذه الفجاج في الأرض ليهتدوا إلى السير فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

هذا من آثار فتق الأرض في حد ذاتها إذْ أخرج الله منها الجبال وذلك فتق تكوين ، وجعل فيها الطّرق ، أي الأرضين السهلة التي يتمكن الإنسان من المشي فيها عكس الجبال .

والرواسي : الجبال ، لأنها رست في الأرض ، أي رسخت فيها .

والميْد : الاضطراب . وقد تقدم في أول سورة النحل .

وتقدم في أول سورة النحل أن معنى { أن تَميد } أن لا تميد ، أو لكراهة أن تميد . والمعنى : وجعلنا في الأرض فجاجاً . ولما كان { فجاجاً } معناه واسعة كان في المعنى وصفاً للسبيل ، فلما قُدم على موصوفه انتصب على الحال . والمقصود إتمام المنة بتسخير سطح الأرض ليسلكوا منها طرقاً واسعة ولو شاء لجعل مسالك ضيقة بين الجبال كأنها الأودية .

والفجاج : جمع فَجّ . والفج : الطريق الواسع .

والسُبُل : جمع سبيل ، وهو : الطريق مطلقاً .

وجملة { لعلهم يهتدون } مستأنفة إنشاء رجاءِ اهتداء المشركين إلى وحدانية الله فإن هذه الدلائل مشاهدة لهم واضحة الدلالة . ويجوز أن يراد بالاهتداء الاهتداء في السير ، أي جعلنا سبلاً واضحة غير محجوبة بالضيق إرادة اهتدائهم في سيرهم ، فتكون هذه منة أخرى وهو تدبير الله الأشياء على نحو ما يلائم الإنسان ويصلح أحواله .

فقوله تعالى { لعلهم يهتدون } من الكلام الموجه .