البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

الفج : الطريق المتسع

ثم ذكر دليلاً آخر من الدلائل الأرضية فقال : { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم } وتقدم شرح نظير هذه الجملة في سورة النحل { وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً } وهذا دليل رابع من الدلائل الأرضية ، والظاهر أن الضمير في { فيها } عائد على الأرض .

وقيل يعود على الرواسي ، وجاء هنا تقديم { فجاجاً } على قوله { سبلاً } وفي سورة نوح { لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً } فقال الزمخشري : وهي يعني { فجاجاً } صفة ولكن جعلت حالاً كقوله :

لمية موحشاً طلل . . .

يعني أنها حال من سبل وهي نكرة ، فلو تأخر { فجاجاً } لكان صفة كما في تلك الآية ولكن تقدم فانتصب على الحال قال : فإن قلت : ما الفرق بينهما من جهة المعنى ؟ قلت : وجهان أحدهما إعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة ، والثاني بأنه حين خلقها ، خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة انتهى .

يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفاً به حالة الإخبار عنه ، وإن كان الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه ، ألا ترى أنه يقال : مررت بوحشي القاتل حمزة ، فحالة المرور لم يكن قائماً به قتل حمزة ، وأما الحال فهي هيئة ما تخبر عنه حالة لإخبار { لعلهم يهتدون } في مسالكهم وتصرّفهم .