قوله : { أَن تَمِيدَ } مفعولٌ من أجله أي : أن لا تميدَ فَحُذِفَتْ " لا " لفَهْمِ المعنى ، أو كراهةَ أَنْ تميد . وقَدَّره أبو البقاء فقال : " مخافَةَ أن تميدَ " . وفيه نظرٌ لأنَّا إنْ جَعَلْنا المخافةَ مسندةً إلى المخاطبين أخْتَلَّ شرطٌ من شروطِ النصبِ في المفعولِ له وهو الفاعل . وإنْ جَعَلْناها مسندةً لفاعل الجَعْل استحال ذلك ، لأنَّه تبارك وتعالى لا يُسْنَدُ إليه الخوف . وقد يقال : يُختارُ أن تُسْنَدَ المخافةُ إلى المخاطبين . قولكم : يختلُّ شرطٌ من شروطِ النصب . جوابُه : أنه ليس بمنصوبٍ ، بل مجرورٌ بحرف العلةِ المقدرِ . / وحَذْفُ حرفِ الجر مُطَّردٌ مع أنْ وأنَّ بشرطه .
قوله : { فِجَاجاً سُبُلاً } في " فجاجاً " وجهان ، أحدهما : أنه مفعولٌ به و " سُبُلا " بدلٌ منه . والثاني : أنه منصوب على الحال مِنْ " سبلاً " لأنه في الأصلِ صفةٌ له فلمَّا قُدِّم انتصبَ حالاً كقولِه :
لميَّةَ موحشاً طَلَلُ *** يلوحُ كأنَّه خِلَلُ
ويدلُّ على ذلك مجِيْئُه صفةً في الآية الأخرى ، وهي قولُه تعالى :
{ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [ نوح : 20 ] . قال الزمخشري : " فإن قلت : في الفجاجِ معنى الوصفِ ، فما لها قُدِّمَتْ على السُّبُل ولم تُؤَخَّرْ ، كقولِه تعالى : { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } ؟ قلت : لم تُقَدَّم وهي صفةٌ ولكنْ جُعِلَتْ حالاً كقولِه :
لِعَزَّةَ مُوْحِشاً طَلَلٌ قديمُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فإنْ قلتَ : ما الفرقُ بينهما من جهةِ المعنى ؟ قلتُ : أحدُهما أعلامٌ بأنه جَعَلَ فيها طرقاً واسعة . والثاني : أنه حينَ خَلَقها خَلَقها على تلك الصفةِ ، فهو بيانٌ لما أُبْهِم ثمةَ " .
قال الشيخ : " يعني بالإِبهامِ أنَّ الوصفَ لا يلزمُ أَنْ يكونَ الموصوفُ متصفاً به حالةَ الإِخبارِ عنه ، وإن كان الأكثرُ قيامَه به حالةَ الإِخبارِ عنه . ألا ترى أنه يُقال : مررتُ بوَحْشيٍّ القاتلِ حمزةَ ، وحالةَ المرورِ لم يكن قائماً به قَتْلُ حمزة " .
والفَجُّ : الطريقُ الواسعُ . والجمعُ : الفِجاجُ .
والضميرُ في " فيها " يجوزُ أن يعودَ على الأرض ، وهو الظاهرُ كقولِه :
{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [ نوح : 19-20 ] وأَنْ يعودَ على الرَّواسي ، يعني أنه جعل في الجبال طُرُقاً واسعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.