قوله : { وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ } الرواسي الجبال ، والراسي : هو الداخل في الأرض{[28274]} . قوله : «أنْ تَمِيدَ » مفعول من أجله ، أي : أن لا تميد{[28275]} ، فحذفت «لا » لفهم المعنى كما زيدت في { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب }{[28276]} ، أو كراهة أن تميد{[28277]} وقدره أبو البقاء فقال : مخافة أن تميد{[28278]} وفيه نظر ، لأنا إن جعلنا المخافة مسندة إلى{[28279]} المخاطبين اختل شرط من شروط النصب في المفعول وهو اتحاد الفاعل{[28280]} . وإن جعلناها مسندة لفاعل الجعل استحال ذلك ، لأنه تعالى لا يسند إليه الخوف . وقد يقال يختار أن يسند المخافة إلى المخاطبين ، وقولكم يختل شرط من شروط النصب جوابه : أنه ليس بمنصوب بل مجرور بحرف الجر{[28281]} المقدر{[28282]} ، وحذف حرف الجر مطرد مع أنَّ وأَنْ بشرطه{[28283]} .
قال ابن عباس : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها السفينة فأرساها{[28284]} الله بالجبال الثقال{[28285]} . قوله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } في " فجاجا " وجهان :
أحدهما : أنه ( مفعول به ){[28286]} و «سُبُلاً » بدل منه{[28287]} .
والثاني : أنه منصوب على الحال من «سُبُلاً »{[28288]} ، لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب كقوله :
3711- لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ*** يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ{[28289]}
ويدل على ذلك مجيئه صفة في قوله تعالى { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا س ُبُلاً فِجَاجاً }
وقال الزمخشري : فإن قلت : في الفجاج معنى الوصف فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كقوله تعالى : { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }{[28290]} ، قلت : لم تقدم وهي صفة ، ولكن جعلت حالاً كقوله :
3712- لعزَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ قَدِيمُ{[28291]} *** . . .
فإن قلت : ما الفرق بينهما من جهة المعنى ؟ قُلْتُ : أحدهما : إعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة ، والثاني : أنه حين خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة{[28292]} . قال أبو حيان : يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفاً به حالة الإخبار عنه ، وإن كان{[28293]} الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه ، ألا ترى أنه يقال : مررت بوحشيّ القاتل حمزة ، وحالة{[28294]} المرور لم يمن قائماً به قتل حمزة{[28295]} . والفَجُّ الطَّرِيقُ الوَاسِعُ ، والجمع الفِجَاج{[28296]} . والضمير في «فيها » يجوز أن يعود على الأرض وهو الظاهر كقوله { والله{[28297]} جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً }{[28298]} {[28299]} . وأن يعود على الرواسي{[28300]} ، يعني أنه جعل في الجبال طرقاً واسعة وهو قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس وعن ابن عمر قال : كانت الجبال منضمة فلما أغرق الله قوم نوح فرّقها فجاجاً وجعل فيها طرقاً{[28301]} . وقوله { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } أي لكي يهتدوا{[28302]} إذ الشك لا يجوز على الله{[28303]} . والمعنى{[28304]} : ليهتدوا إلى البلاد . وقيل : ليهتدوا إلى وحدانية الله بالاستدلال قالت المعتزلة : وهذا يدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين الاهتداء وقد تقدم .
وقيل : الاهتداء إلى البلاد والاهتداء إلى وحدانية الله تعالى يشتركان في أصل الاهتداء ، فيحمل اللفظ على ذلك المشترك مستعملاً في مفهوميه{[28305]} معاً{[28306]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.