وقوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي : تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله ، فتقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها ، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه ، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله ، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم .
قال الآلوسى : قوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أى : وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ، تقولون أمطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا وأكثر الروايات أن قوله - تعالى - : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } نزل فى القائلين : مطرنا بنوء كذا . . أخرج مسلم - فى صحيحه - عن ابن عباس قال : " مطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر . قالوا : هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم } حتى بلغ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } " .
ثم قال الإمام الآلوسى : والآية على القول بنزولها فى قائلى ذلك : ظاهرة فى كفرهم المقابل للإيمان ، فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر ، وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله - تعالى - ، وأن النوء ميقات وعلامة فإنه ليس بكفر . .
وقد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث فى هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .
وقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزقَكمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول : وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب ، وذلك كقول القائل الاَخر : جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ ، بمعنى : جعلت : شكر إحساني ، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إليّ .
وقد ذُكر عن الهيثم بن عديّ : أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان : بمعنى ما شكر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف فيه منهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي عبد الرحمن السلميّ ، عن عليّ رضي الله عنه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : شكركم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عليّ رفعه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : «شكركم تقولون مُطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكر ، عن إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عليّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبون قال : «شُكْرَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ » ، قال : «يَقُولُونَ مُطِرْنا بنَوْءِ كَذا وكَذا » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : ما مُطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا ، يقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذَا ، وقرأ ابن عباس وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا معاذ بن سليمان ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُون ثم قال : ما مُطر الناس ليلة قطّ ، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذا . قال : وقال وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يقول : شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون : مُطرنا بنوء كذا وكذا قال : فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، قال : أحسبه أو غيره «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا يقول : مُطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال : «كَذَبْتَ بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّهِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ اللّهَ لَيُصَبّحُ القَوْمَ بالنّعْمَةِ ، أوْ يُمَسّيهِمِ بِها ، فَيُصْبِحُ بِها قَوْمٌ كافِرِينَ يَقُولُونَ : مُطِرْنا بَنْوْءِ كَذَا وكَذا » قال محمد : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ، فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هريرة ، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي ، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال : يا عباس يا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال : العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا ، قال : فما مضت سابعة حتى مُطروا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عليّ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : كان يقرأها «وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أنّكُم تُكَذبُونَ » يقول : جعلتم رزق الله بنوء النجم ، وكان رزقهم في أنفسهم بالأنواء أنواء المطر إذا نزل عليهم المطر ، قالوا : رزُقنا بنوء كذا وكذا ، وإذا أمسك عنهم كذّبوا ، فذلك تكذيبهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال : كان ناس يمطرون فيقولون : مُطرنا بنوء كذا ، مُطرنا بنوء كذا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبونَ قال : قولهم في الأنواء : مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا ، يقول : قولوا هو من عند الله وهو رزقه .
حُدثت ، عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول : جعل الله رزقكم في السماء ، وأنتم تجعلونه في الأنواء .
حدثني أبو صالح الصراري ، قال : حدثنا أبو جابر «محمد بن عبد الملك الأزدي » قال : حدثنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن أبي أُمامة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «ما مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلاّ أصْبَحَ قَوْمٌ بِها كافِرِينَ ، ثم قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذبُون » يقول قائِلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وكَذَا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وتجعلون حظكم منه التكذيب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُم تُكَذّبُونَ أما الحسن فكان يقول : بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب .
وقوله عز وجل : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله للعباد هذا بنوء كذا وكذا وهذا ب «عثانين » الأسد ، وهذا بنوء الجوزاء وغير ذلك . والمعنى : وتجعلون شكر رزقكم ، كما تقول لرجل : جعلت يا فلان إحساني إليك أن تشتمني المعنى : جعلت شكر إحساني . وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان ؟ بمعنى ما شكره . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرؤها : «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون » ، وكذلك قرأ ابن عباس ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10937]} ، إلا أن ابن عباس ضم التاء وفتح الكاف ، وعلي رضي الله عنه : فتح التاء وسكن الكاف وخفف الذال ، ومن هذا المعنى قول الشاعر : [ السريع ]
وكان شكر القوم عند المنى . . . كي الصحيحات وفقء الأعين{[10938]}
وقد أخبر الله تعالى أنه أنزل من السماء ماء مباركاً فأنبت به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد فهذا معنى قوله : { إنكم تكذبون } ، أي بهذا الخبر .
وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه : «تَكْذبون » بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف الدال كقراءة علي بن أبي طالب . وكذبهم في مقالتهم بين ، لأنهم يقولون هذا بنوء كذا وذلك كذب منهم وتخرص ، وذكر الطبري أن النبي عليه السلام سمع رجلاً يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال له : «كذبت ، بل هو رزق الله »{[10939]} .
قال القاضي أبو محمد : والنهي عنه المكروه هو أن يعتقد أن للطالع من النجوم تأثيراً في المطر ، وأما مراعاة بعض الطوالع على مقتضى العادة ، فقد قال عمر للعباس وهما في الاستسقاء : يا عباس ، يا عم النبي عليه السلام كم بقي من نوء الثريا ، فقال العباس : العلماء يقولون إنها تتعرض في الأفق بعد سقوطها سبعاً . قال ابن المسيب : فما مضت سبع حتى مطروا{[10940]} .
إذا جرينا على ما فَسر به المفسرون تكون هذه الجملة عطفاً على جملة { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } [ الواقعة : 81 ] عطفَ الجملة على الجملة فتكون داخلة في حيّز الاستفهام ومستقلة بمعناها .
والمعنى : أفتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ، وهو تفريع على ما تضمنه الاستدلال بتكوين نسل الإنسان وخلق الحَب ، والماء في المزن ، والنار من أعواد الاقتداح ، فإن في مجموع ذلك حصول مقومات الأقوات وهي رزق ، والنسل رزق ، يقال : رُزق فلان ولَداً ، لأن الرزق يطلق على العطاء النافع ، قال لبيد :
رُزقتْ مرابيعَ النجومِ وصَابها *** وَدْقُ الرواعد جَوْدُها فرهامها
أي أعطيتْ وقال تعالى : { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } [ الذاريات : 57 ] فعطف الإِطعام على الرزق والعطف يقتضي المغايرة .
والاستفهام المقدر بعد العاطف إنكاري ، وإذ كان التكذيب لا يصح أن يجعل رزقاً تعين بدلالة الاقتضاء تقدير محذوف يفيده الكلام فقدره المفسرون : شُكْر رزقكم ، أو نحوه ، أي تجعلون شكر الله على رزقه إياكم أن تكذبوا بقدرته على إعادة الحياة ، لأنهم عدلوا عن شكر الله تعالى فيما أنعم به عليهم فاستنقصوا قدرته على إعادة الأجسام ، ونسبوا الزرع لأنفسهم ، وزعموا أن المطر تمطره النجوم المسماة بالأنواء فلذلك قال ابن عباس : نزلت في قولهم : مُطرنا بنوء كذا ، أي لأنهم يقولونه عن اعتقاد تأثير الأنواء في خَلْق المطر ، فمعنى قول ابن عباس : نزلت في قولهم : مطرنا بنوء كذا ، أنه مراد من معنى الآية .
قال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله رزقاً : هذا بنوء كذا وكذا اهـ .
أشار هذا إلى ما روي في « الموطأ » عن زيد بن خالد الجهني قال : صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثْر سماء فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قالَ : قَال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بِنَوْءِ كذا ونوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ، وليس فيه زيادة فنزلت هذه الآية ولو كان نزولها يومئذٍ لقاله الصحابي الحاضر ذلك اليوم .
ووقع في « صحيح مسلم » عن ابن عباس أنه قال : « مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صَدق نَوْء كذا وكذا . قال فنزلت : { فلا أقسم بمواقع النجوم } [ الواقعة : 75 ] حتى بلغ { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } فزاد على ما في حديث زيد بن خالد قوله فنزلت : { فلا أقسم } الخ .
وزيادة الراوي مختلف في قبولها بدون شرط أو بشرط عدم اتحاد المجلس ، أو بشرط أن لا يكون ممن لا يغفل مثلُه عن مثل تلك الزيادة عادةً وهي أقوال لأئمة الحديث وأصول الفقه ، وابن عباس لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فعل قوله : فنزلت تأويل منه ، لأنه أراد أن الناس مُطرواً في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولاً وقال المشركون قولاً فنزلت آية { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } تنديداً على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها الله عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة .
ولم يرو أن هذه الآية ألحقت بالسورة بعد نزول السورة .
ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله فنزلت { فلا أقسم بمواقع النجوم } [ الواقعة : 75 ] بأن يكون ابن عباس قال : فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فلا أقسم بمواقع النجوم ، أو نحو تلك العبارة . وقد تكرر مثل هذا الإِيهام في أخبار أسباب النزول ويتأكد هذا صيغة تكذبون } لأن قولهم : مطرنا بنوء كذا ، ليس فيه تكذيب بشيء ، ولذلك احتاج ابن عطية إلى تأويله بقوله : « فإن الله تعالى قال : { ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحبَّ الحصيد والنخلَ باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد } [ ق : 9 11 ] فهذا معنى { أنكم تكذبون } أي تكذبون بهذا الخبر .
والذي نحاه الفخر منحى آخر فجعل معنى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } تكملة للإِدهان الذي في قوله تعالى : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } [ الواقعة : 81 ] فقال : « أي تخافون أنكم إن صدّقتم بالقرآن ومنعتم ضعفاءكم عن الكفر يفوت عليكم من كسبكم ما تربحونه بسببهم فتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون الرسول أي فيكون عطفاً على { مدهنون } [ الواقعة : 81 ] عطف فعل على اسم شبيه به ، وهو من قبيل عطف المفردات ، أي أنتم مدهنون وجاعلون رزقكم أنكم تكذِّبون ، فهذا التكذيب من الإدهان ، أي أنهم يعلمون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم يظهرون تكذيبه إبقاء على منافعهم فيكون كقوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } [ الأنعام : 33 ] . وعلى هذا يقدر قوله : { أنكم تكذبون } مجروراً بباء الجر محذوفة ، والتقدير : وتجعلون رزقكم بأنكم تكذبون ، أي تجعلون عوضه بأن تكذِّبوا بالبعث » .