وقوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } صفة لجبار عنيد .
والمراد بقوله : { مِّن وَرَآئِهِ } أى : من أمامه ، أو من بعد هلاكه .
أى : من أمام خيبة هذا الجبار العنيد جهنم ، تنتظر ليحل بها ، بسبب كفرة وظلمه .
قال صاحب أضواء البيان : قوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ . . . } الوراء هنا بمعنى الأمام كما هو ظاهر ، ومنه قوله - تعالى - { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } أى : وكان أمامهم ملك . . ومنه قول الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى . . . وقومى تميم والفلاة ورائيا
وقال بعضهم : قوله { مِّن وَرَآئِهِ } أى من بعد هلاكه ، ومنه قول النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . وليس وراء الله للمرء مذهب
أى : وليس بعد الله للمرء مذهب ، والأول هو الظاهر هو الحق .
وعلى أية حال فإن الجملة الكريمة تدل على أن جنهم تنتظر هذا الجبار العنيد ، وتترصد له ، وتتبعه حيث كان ، بحيث لا يستطيع الفرار منها ، أو الهرب عنها .
وجملة { ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } معطوفة على مقدر ، أى : من ورائه جهنم يلقى فيها مذءوماً مدحوراً ، ويسقى من ماء مخصوص ليس كالمياه المعهودة ، هو الصديد ، أى ما يسيل من أجساد هذا النار من دم مختلط بقيح ، واشتقاقه من الصد ، لأنه يصد الناظرين عن رؤيته . وهو بدل أو عطف بيان من ماء .
القول في تأويل قوله تعالى : { مّن وَرَآئِهِ جَهَنّمُ وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } .
يقول عزّ ذكره : مِنْ وَرَائِهِ من أمام كلّ جبار جَهَنّمُ يردونها . ووراء في هذا الموضع : يعني أمام ، كما يقال : إن الموت من ورائك : أي قدامك ، وكما قال الشاعر :
أتُوعِدُني وَرَاءَ بَنِي رِياحٍ *** كَذَبْتَ لَتَقْصُرّنّ يَداكَ دُونِي
يعني وراء بني رياح : قدّام بني رياح وأمامهم .
وكان بعض نحوييّ أهل البصرة يقول : إنما يعني بقوله : مِنْ وَرَائِهِ أي من أمامه ، لأنه وراء ما هو فيه ، كما يقول لك : وكلّ هذا من ورائك : أي سيأتي عليك ، وهو من وراء ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه . وقال : وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا من هذا المعنى : أي كان وراءَ ما هم في أمامَهم . وكان بعض نحويّي أهل الكوفة يقول : أكثر ما يجوز هذا في الأوقات ، لأن الوقت يمرّ عليك فيصير خلفك إذا جُزته ، وكذلك كان وراءهم ملك ، لأنهم يجوزونه فيصير وراءهم . وكان بعضهم يقول : هو من حروف الأضداد ، يعني وراء يكون قداما وخلفا .
وقوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يقول : ويُسقى من ماء ، ثم بين ذلك الماء جلّ ثناؤه وما هو ، فقال : هو صديد ولذلك ردّ الصديد في إعرابه على الماء ، لأنه بيان عنه ، والصديد : هو القيح والدم . وكذلك تأوّله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء «ح » وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : قيح ودم .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ والصديد : ما يسيل من دمه ولحمه وجلده .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : ما يسيل من بين لحمه وجلده .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عمن ذكره ، عن الضحاك : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : يعني بالصديد : ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيْحَ والدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.