تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

{ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي : عرفها أولا ، بأن شوقهم إليها ، ونعتها لهم ، وذكر لهم الأعمال الموصلة إليها ، التي من جملتها القتل في سبيله ، ووفقهم للقيام بما أمرهم به ورغبهم فيه ، ثم إذا دخلوا الجنة ، عرفهم منازلهم ، وما احتوت عليه من النعيم المقيم ، والعيش السليم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

{ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ } أى : ويدخلهم بعد كل ذلك الجنة يوم القيامة ويهديهم إلى بيوتهم ومساكنهم فيها ، بحيث لا يخطئونهأ ، حتى لكأنهم يقيمون فيها منذ خلقوا ، وذلك كله بإلهام من الله - تعالى - : لهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : { عَرَّفَهَا لَهُمْ } هذا التعريف فى الآخرة . قال مجاهد : يهدى أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم ، وحيث قسم الله - تعالى - لهم منها ، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا . . . وذلك بإلهام منه - عز وجل - .

وورد فى بعض الآثار أن حسناته تكون دليلا له على منزلته فيها ، وقيل : إنه - تعالى - : رسم على كل منزل اسم صاحبه وهو نوع من التعريف .

وقيل : معنى عرفها لهم . طيبها لهم منا لعرف وهو الرائحة الطيبة ، ومنه طعام معرف ، أى مطيب .

وعن الجبائى أن التعريف فى الدنيا ، وهو يذكر أوصافها ، والمراد أنه - سبحانه - لم يزل يمدحها لهم ، حتى عشقوها ، فاجتهدوا فى فعل ما يوصلهم إليها . .

هذا ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى :

1- وجوب قتال الكافرين بكل شدة وقوة ، حتى تضعف شوكتهم ، وتدول دولتهم ، ويخضعوا لحكم شريعة الإِسلام فيهم .

وفى هذه المعنى وردت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير } 2- أخذ بعض العلماء من قوله - تعالى - : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا } أن السير من الأعداء يدور أمره بين هاتين الحالتين إما أن نطلق سراحه بدون مقابل ، وإما أن نطلق سراحه فى مقابل فدية معينة نأخذها منه ، وقد تكون هذه الفدية مالا ، أو عملا ، أو غير ذلك مما فيه منفعة للمسلمين .

ويرى بعض العلماء أن هذه الآية منسوخة بقوله - تعالى - : { فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } ويرى المحققون من العلماء أن هذه الآية ، وهى قوله - تعالى - : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } . تحكى حالات معينة يكون امر الأسرى فيها دائرا بين المن والفداء ، لأنهما من مصلحة المسلمين ، وهناك حالات أخرى يكون الأصلح فيها قتل الأعداء ، أو استرقاقهم .

فمسألة الأسرى من الأعداء ، يكون الحكم فيها على حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين ، ومرجع الحكم فيها إلى البصراء بالحرب وبوضع خططها ، لأنهم أعرف الناس بكيفة معاملة الأسرى .

وهذا الرأى الأخير هو الذى تطمئن إليه النفس ، لأنه الثابت من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أفعاله أصحابه ، ولأن ذكر المن والفداء لا ينافى جواز غيره كالقتل - مثلا - لأن هذا الغير مفهوم من آيات أخرى ذكرت هذا الحكم فى أوقات وحالات معينة .

وقد رجح هذا الرأى كثير من العلماء ، منهم الإِمام ابن جرير ، فقد قال ما ملخصه - بعد أن ساق جملة من الأقوال - : والصواب من القول عندنا فى ذلك ، أن هذه الآية محكم غير منسوخة لأنه غير مستنكر أن يكون جعل الخيار من المن والقتل والفداء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم وإلى القائمين بعده بأمر الأمة . وإن لم يكن القتل مذكورا فى هذه الآية ، لأنه قد أذن - سبحانه - بقتلهم فى آيات أخرى منها { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } وقد فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل ذلك ، مع الأسرى ففى بدر قتل عقبة بن أبى معيط . وأخذ الفداء من غيره . . ومَنَّ على ثمامة بن أثال الحنفى وهو أسير فى يده .

وقال القرطبى - بعد أن ذكر أربعة أقوال - : الخامس : أن الآية محكمة ، والإِمام مخير فى كل حال .

وبهذا قال كثير من العلماء منهم : ابن عمر ، والحسن وعطاء ، وهو مذهب مالك والشافعى والثورى والأوزاعى . . وغيرهم ، وهو الاختيار ؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك .

فقد قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - فى بدر النضربن الحارث . وأخذ الفداء من أسارى بدر . . وقد مَنَّ على سبى هوزان ، وهذا كله ثابت فى الصحيح .

وقال بعض العلماء ما ملخصه : وما نحسبنا مخطئين إذ قلنا إن الذى كان من النبى - صلى الله عليه وسلم - نم الأعمال المختلفة ، كان نزولا على مقتضى المصلحة ، ولذلك نراه كان يجتهد فى تعرف وجوه المصلحة ، فيستشير أصحابه .

ولو كان الأمر أمر خطة مرسومة ، واحدا لا يتخطى . ما كان هناك معنى للاستشارة ، ولا للنزول على رأى بعض أصحابه ، ولما خالف فى الواحدة بين أسير وأسير ، فقتل هذا ، وأخذ الفداء من هذا . ومنَّ على هذا .

وإذا فالمصلحة العامة وحدها المحكْمة ، وهى الخطة التى تتبع فى الحروب ، خصوصا والحرب مكر وخديعة ، ما دامت مكر أو خديعة فليترك للماكرين وضع خطط المكر والخديعة ولا يرسم لهم كيف يمكرون ، وإلا ما كانوا ما كرين .

3- بشارة الشهداء بالثواب الجزيل ، وبالأجر العظيم ، ويكفى لذلك قوله - تعالى - : { والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ } .

وقد ذكر الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات جملة من الأحاديث منها : ما أخرجه الإِمام أحمد عن قيس الجذامى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يعطى الشهيد ست خصال : عند أول قطرة من دمه يكفر عنه كل خطيئة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويزوج من الحور العين ، ويؤمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ، ويحلى حلة الإِيمان " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

يقول تعالى ذكره : سيوفق الله تعالى ذكره للعمل بما يرضي ويحبّ ، هؤلاء الذين قاتلوا في سبيله ، وَيُصْلِحُ بالَهُمْ : ويصلح أمرهم وحالهم في الدنيا والاَخرة وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لَهُمْ يقول : ويُدخلهم الله جنته عرّفها ، يقول : عرّفها وبيّنها لهم ، حتى إن الرجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدنيا ، لا يُشْكِلُ عليه ذلك . كما :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي سعيد الخُدْريّ ، قال : إذا نجّى الله المؤمنين من النار حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتصّ بعضهم من بعض مظالم كثيرة كانت بينهم في الدنيا ، ثم يُؤذن لهم بالدخول في الجنة ، قال : فما كان المؤمن بأدلّ بمنزله في الدنيا منه بمنزله في الجنة حين يدخلها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لَهُمْ قال : أي منازلهم فيها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لَهُمْ قال : يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون ، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لَهُمْ قال : بلغنا عن غير واحد قال : يدخل أهل الجنة الجنة ، ولهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا قال : فتلك قول الله جلّ ثناؤه وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لَهُمْ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ} (6)

وروى عباس بن المفضل عن أبي عمرو : «ويدخلهم » بسكون اللام . وفي سورة [ التغابن ] { يوم يجمعكم }{[10354]} [ التغابن : 9 ] وفي سورة [ الإنسان ] { إنما نطعمكم }{[10355]} [ الإنسان : 9 ] بسكون العين والميم .

وقوله تعالى : { عرفها لهم } قال أبو سعيد الخدري وقتادة معناه : بينها لهم ، أي جعلهم يعرفون منازلهم منها ، وفي نحو هذا المعنى هو قول النبي عليه السلام : «لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا »{[10356]} وقالت فرقة معناه : سماها لهم ورسمها ، كل منزل باسم صاحبه ، فهذا نحو من التعريف . وقالت فرقة معناه : شرفها لهم ورفعها وعلاها ، وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها ، ومنه أعراف الخيل . وقال مؤرج وغيره معناه : طيبها مأخوذ من العرف ، ومنه طعام معرف ، أي مطيب . وعرفت القدر : طيبتها بالملح والتوابل .


[10354]:من الآية(9) من سورة (التغابن).
[10355]:من الآية(9) من سورة (الإنسان).
[10356]:في صحيح البخاري ما يدل على صحة هذا الحديث، لكن اللفظ فيه ليس (أعرف) كما ذكر هنا، بل اللفظ فيه(أهدى)، وهو عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يخلص المؤمنون من النار، فيحبون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا)، وقد استدل كل من القرطبي، وابن كثير على صحة هذا الرأي بهذا الحديث.