تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

{ 46 } { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

أي : ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى وأنه الإله المعبود والملك المحمود ، { أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ } أمام المطر { مُبَشِّرَاتٍ } بإثارتها للسحاب ثم جمعها فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله .

{ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } فينزل عليكم من رحمته مطرا تحيا به البلاد والعباد ، وتذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته هي المنقذة للعباد والجالبة لأرزاقهم ، فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة الفاتحة لخزائن الرحمة .

{ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ } في البحر { بِأَمْرِهِ } القدري { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } بالتصرف في معايشكم ومصالحكم .

{ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } من سخر لكم الأسباب وسير لكم الأمور . فهذا المقصود من النعم أن تقابل بشكر اللّه تعالى ليزيدكم اللّه منها ويبقيها عليكم .

وأما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي فهذه حال من بدَّل نعمة اللّه كفرا ونعمته محنة وهو معرض لها للزوال والانتقال منه إلى غيره .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن آيات الله - تعالى - الدالة على قدرته ، وعن مظاهر فضله على الناس ورحمته بهم ، وعن الموقف الجحودى الذى وقفه بعضهم من هذه النعم . . قال - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ . . . . فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } .

قوله - سبحانه - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ } بيان لأنواع أخرى من الظواهر الكونية الدالة على قدرته - عز وجل - .

أى : ومن الآيات والبراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - ونفاذ قدرته ، أنه - سبحانه - يرسل بمشيئته وإرادته الرياح ، لتكون بشارة بأن من ورائها أمطارا ، فيها الخير الكثير للناس .

قال الآلوسى : قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح } أى : الجنوب ، ومهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا ، والصبا : ومهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش . والشمال : ومهبها من بنات نعش إلى مسقط النسر الطائر ، فإنها رياح الرحمة . أما الدبور ومهبها من مسقط النسر الطائر إلى مطلع سهيل ، فريح العذاب .

وقوله : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ . . } بيان للفوائد التى تعود على الناس من إرسال الرياح التى تعقبها الأمطار ، وهو متعلق بقوله { يُرْسِلَ } .

أى : يرسل الرياح مبشرات بالأمطار ويرسلها لمنحكم من رحمته الخصب والنماء لزرعكم ، وللتجرى الفلك عند هبوبها فى البحر بإذنه - تعالى - ولتبتغوا أرزاقكم من فضله - سبحانه - عن طريق الأسفار ، والانتقال من مكان إلى آخر ، ولكى تشكروا الله - تعالى - على هذه النعم : فإنكم إذا شكرتموه - سبحانه - على نعمه زادكم منها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ومن أدلته على وحدانيته وحججه عليكم على أنه إله كلّ شيء أنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ بالغيث والرحمة وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : ولينزّل عليكم من رحمته ، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد ، ولتجري السفن في البحار بها بأمره إياها وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول : ولتلتمسوا من أرزاقه ومعايشكم التي قسمها بينكم وَلَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : ولتشكروا ربكم على ذلك أرسل هذه الرياح مبشرات . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد الرّياحَ مُبَشّراتٍ قال : بالمطر .

وقالوا في قوله : وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مثل الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : المطر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلِيُذِيقَكمْ مِنْ رَحْمَتِهِ : المطر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

{ ومن آياته أن يرسل الرياح } الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " الريح " على إرادة الجنس . { مبشرات } بالمطر . { وليذيقكم من رحمته } يعني المنافع التابعة لها ، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها { مبشرات } أو عليها باعتبار المعنى ، أو على { يرسل } بإضمار فعل معلل دل عليه . { ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله } يعني تجارة البحر . { ولعلكم تشكرون } ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

ثم ذكر تعالى من آياته أشياء يقضي كل عقل بأنها لا مشاركة للأوثان فيها وهو ما في الريح من المنافع وذلك أنها بشرى بالمطر ، ويذيق الله بها المطر ويلقح بها الشجر وغير ذلك ويجري بها السفن في البحر ويبتغي الناس بها فضل الله في التجارات في البحر وفي ذرو الأطعمة وغير ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (46)

عود إلى تعداد الآيات الدالة على تفرده بالإلهية فهو عطف على جملة { ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } [ الروم : 25 ] وما تخلل بينهما من أفانين الاستدلال على الوحدانية والبعث ومن طرائق الموعظة كان لتطرية نشاط السامعين لهذه الدلائل الموضّحة المبينة . والإرسال مستعار لتقدير الوصول ، أي يُقدر تكوين الرياح ونظامها الذي يوجهها إلى بلد محتاج إلى المطر .

والمبشرات : المؤذنة بالخير وهو المطر . وأصل البشارة : الخبر السارّ . شبهت الرياح برسل موجهة بأخبار المسرّة . وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى : { وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات } في سورة البقرة ( 25 ) ، وقوله { وإذا بُشِّر أحدُهم بالأنثى } في سورة النحل ( 58 ) ، وذلك أن الرياح تسوق سحاب المطر إلى حيث يمطر . وتقدم الكلام على الرياح في آيات كثيرة منها قوله تعالى { وتصريف الرياح } في سورة البقرة ( 164 ) وعلى { كونها لواقح } في سورة الحجر ( 22 ) .

وقوله { وليذيقكم } عطف على { مُبشرات } لأن { مبشرات } في معنى التعليل للإرسال . وتقدم الكلام على الإذاقة آنفاً .

و { من رحمته } صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل { ليذيقكم } أي : مذوقاً . و { مِن } ابتدائية ، ورحمة الله : هي المطر .

وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه ، وتقدم في آية سورة البقرة ( 164 ) .

والتقييد بقوله { بأمره } تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة ، أي : لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك ، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها . وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله { ولعلكم تشكرون } وقد تقدم ذلك في سورة الحج ( 36 ) ، وتقدم هنالك معنى { لتبتغوا من فضله } .