{ 101 - 114 } { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } يخبر تعالى عن هول يوم القيامة ، وما في ذلك اليوم ، من المزعجات والمقلقات ، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث ، فحشر الناس أجمعون ، لميقات يوم معلوم ، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم ، التي هي أقوى الأسباب ، فغير الأنساب من باب أولى ، وأنه لا يسأل أحد أحدا عن حاله ، لاشتغاله بنفسه ، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها ؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها ؟ قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }{[555]} .
وفي القيامة مواضع ، يشتد كربها ، ويعظم وقعها ، كالميزان الذي يميز به أعمال العبد ، وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه ، وتبين فيه مثاقيل الذر ، من الخير والشر .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن ما ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم ، لا أحسابهم ولا أنسابهم . فقال - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } .
والأنساب : جمع نسب . والمراد به القرابة ، والمراد بالنفخ فى الصور : النفخة الثانية التى يقع عندها البعث والنشور . وقيل : النفخة الأولى التى عندها يُحِيى الله الموتى .
والمراد بنفى الأنساب : انقطاع آثارها التى كانت مترتبة عليها فى الدنيا ، من التفاخر بها ، والانتفاع بهذه القرابة فى قضاء الحوائج .
أى : فإذا نفخ إسرافيل - عليه السلام - فى الصور - وهو آلة نُفَوض هيئتها إلى الله - تعالى - ، فلا أنساب ولا أحساب بين الناس نافعة لهم فى هذا الوقت ، إذ النافع فى ذلك الوقت هو الإيمان والعمل الصالح .
ولا هم يستاءلون فيما بينهم لشدة الهول ، واستيلاء الفزع على النفوس ولا تنافى بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } فإن كل آية تحكى حالة من الحالات ، ويوم القيامة له مواقف متعددة ، فهم لا يتساءلون من شدة الهول فى موقف . ويتساءلون فى آخر عندما يأذن الله - تعالى - لهم بذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } .
اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله : فإذَا نُفِخَ في الصّور من النفختين أيُتهما عُنِيَ بها ؟ فقال بعضهم : عُنِيَ بها النفخة الأولى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، قال : حدثنا عمرو بن مطرف ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبير ، أن رجلاً أتى ابن عباس فقال : سمعت الله يقول : فَلا أنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ . . . الاَية ، وقال في آية أخرى : وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فذلك في النفحة الإولى ، فلا يبقى على الأرض شىء ، ( فلا أنْساب بَينَمْ يَومَئذ ولا يَيَساءلون1 . فإنهم لما دخلوا الجنة أقيل بعضهم على بعض يتساءلون :
وأما قوله : وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يتساءلون
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، في قوله : فإذَا نُفِخَ في الصُورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ قال : في النفخة الأولى .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَلا أنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وعلا يَتَساءَلُونَ فذلك حين ينفخ في الصور ، فلا حيّ يبقى إلا الله . وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فذلك إذا بُعثوا في النفخة الثانية .
قال أبو جعفر : فمعنى ذلك على هذا التأويل : فإذا نفخ في الصور ، فصَعِق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض إلا مَنْ شاء الله ، فلا أنساب بينهم يومئذٍ يتواصلون بها ، ولا يتساءلون ، ولا يتزاورون ، فيتساءلون عن أحوالهم وأنسابهم .
وقال آخرون : بل عُنِيَ بذلك النفخة الثانية . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن هارون بن أبي وكيع ، قال : سمعت زاذان يقول : أتيت ابن مسعود ، وقد اجتمع الناس إليه في داره ، فلم أقدر على مجلس ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، من أجل أني رجل من العجم تَحْقِرُني ؟ قال : ادْنُ قال : فدنوت ، فلم يكن بيني وبينه جليس ، فقال : «يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأوّلين والاَخرين ، قال : وينادِي مناد : ألا إن هذا فلان ابن فلان ، فمن كان له حقّ قبله فليأت إلى حقه ، قال : فتفرح المرأة يومئذٍ أن يكون لها حقّ على ابنها أو على أبيها أو على أخيها أو على زوجها فَلا أنسْابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ .
حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن هارون بن عنترة ، عن زاذان ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : «يؤخذ العبد أو الأمة يوم القيامة ، فينصب على رؤوس الأوّلين والاَخرين ، ثم ينادِي مناد ، ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه : فيقول الربّ تبارك وتعالى للعبد : أعطِ هؤلاء حقوقهم فيقول : أي ربّ ، فَنِيتِ الدنيا ، فمن أين أعطيهم ؟ فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة وأعطوا لكل إنسان بقدر طِلبته فإن كان له فضلُ مثقال حبة من خردل ، ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة . ثم تلا ابن مسعود : إنّ اللّهَ لا يَظلِمُ مِثْقالَ ذَرّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرا عَظِيما وإن كان عبدا شقيّا قالت الملائكة : ربنا ، فنيت حسناتُه وبقي طالبون كثير ، فيقول : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته ، وصُكّوا له صَكّا إلى النار » .
قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج : فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءلُونَ قال : لا يُسأل أحد يومئذٍ بنسب شيئا ، ولا يتساءلون ، ولا يمتّ إليه برحم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني محمد بن كثير ، عن حفص بن المغيرة ، عن قتادة ، قال : ليس شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعافُه ، مخافة أن يذوب له عليه شيء . ثم قرأ : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ وأُمّههِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلّ امرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .
قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا الحكَم بن سِنان ، عن سَدُوس صاحب السائريّ ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةِ وأهْلُ النّارِ النّارَ ، نادَى مُنادٍ مِنْ أَهْلِ العَرْشِ : يا أهْلَ التّظالُمِ تَدَارَكُوا مَظالِمَكُمْ وَادْخُلُوا الجَنّةَ » .
{ فإذا نفخ في الصور } لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن { الصور } أيضا جمع الصورة . { فلا أنساب بينهم } تنفعهم لزاول التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها . { يومئذ } كما يفعلون اليوم . { ولا يتساءلون } ولا يسأل بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه ، وهو لا يناقض قوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } لأنه عند النفخة وذلك بعد المحاسبة ، أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
... فإذا نفخ في الصور، فصَعِق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض إلا مَنْ شاء الله، فلا أنساب بينهم يومئذٍ يتواصلون بها، ولا يتساءلون، ولا يتزاورون، فيتساءلون عن أحوالهم وأنسابهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} إن كان قوله: {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} في الناس كلهم، فذلك في اختلاف المواطن على ما قاله ابن عباس وغيره من أهل التأويل، واختلاف الأوقات: لا يتساءلون في موطن أو في وقت، ويتساءلون في وقت آخر.
ألا ترى أنه قال: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} (الصافات: 27 و...) ونحوه؟
وإن كانت الآية في الكفرة خاصة، فهو يخرج على وجهين: أحدهما: {فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون} لأنه كان يتناصر بعضهم ببعض على غيرهم، ويستعين بعضهم ببعض، وكان ذلك ردءا لهم في هذه الدنيا وشفعاء وأعوانا وأنصارا. فأخبر أن ذلك ينقطع منهم، و يذهب ذلك التناصر عنهم في الآخرة. و العرب خاصة كان يتفاخر بعضهم على بعض بالأنساب، ويتناصر، فأخبر أن ذلك منقطع عنهم في الآخرة.
والثاني: {فلا أنساب بينهم يومئذ} وما ذكر {يومئذ} إلا لشغلهم بأنفسهم لفزع ذلك اليوم وأهواله؛ ينسى بعضهم بعضا، ويهرب منه كقوله: {مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم} الآية (إبراهيم: 43) وقوله: {يوم يفر المرء من أخيه} (عبس: 34) وقوله في آية أخرى: {وترى الناس سكارى} الآية (الحج: 2).
فذلك كله لشدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه، كان لكل في نفسه شغل حتى لا يتفرغ إلى أحد، وإن قرب عنه ليشغلهم بأنفسهم.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
وقال ابن جريج: معنى الآية لا يُسأل أحد يومئذ شيئاً بنسب ولا يتساءلون، لا يمتّ إليه برحم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" فإذا نفخ في الصور "ليوم الحشر والجزاء، ومعنى نفخ الصور: هو علامة لوقت إعادة الخلق. وفي تصورهم الاخبار عن تلك الحال صلاح لهم في الدنيا، لانهم على ما اعتادوه في الدنيا من بوق الرحيل والقدوم. وقال الحسن: الصور جمع صورة أي إذا نفخ فيها الأرواح وأعيدت أحياء. وقال قوم: هو قرن ينفخ فيه إسرافيل بالصوت العظيم الهائل، على ما وصفه الله.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يومئذٍ لا تنفع الأنسابُ وتنقطعُ الأسبابُ، ولا ينفع النّدم، وسيلقى كلٌّ غِبَّ ما اجترم؛ فَمَنْ ثَقُلتْ بالخيرات موازينُه لاحَ عليه تزيينُه. ومن ظهرَ ما يشينه فله من البلاء فنونه؛ تلفح وجوههم النار، وتلمح من شواهدهم الآثار، ويتوجه عليهم الحِجاج، فلا جواب لهم يُسْمَع، ولا عُذْر منهم يُقْبل، ولا عذاب عنهم يُرْفَع ولا عقابُ عنهم يُقطَع.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
والصحيح أن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل، ومن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنعم، وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى بأذنه متى يؤمر فينفخ»...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ونفي الأنساب: يحتمل أن التقاطع يقع بينهم حيث يتفرّقون معاقبين ومثابين، ولا يكون التواصل بينهم والتآلف إلاّ بالأعمال، فتلغوا الأنساب وتبطل، وأنه لا يعتد بالأنساب لزوال التعاطف والتراحم بين الأقارب، إذ يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وروي عن قتادة أنه قال: ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن تكون له عنده مظلمة، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ويفرح كل أحد يومئذ أن يكون له حق على ابنه وأبيه، وقد ورد بهذا الحديث، وكذلك ارتفاع التساؤل والتعارف لهذه الوجوه التي ذكرناها ثم تأتي في القيامة مواطن يكون فيها السؤال والتعارف.
{فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} فمن المعلوم أنه سبحانه إذا أعادهم فالأنساب ثابتة، لأن المعاد هو الولد والوالد، فلا يجوز أن يكون المراد نفي النسب في الحقيقة بل المراد نفي حكمه، وذلك من وجوه؛
أحدها: أن من حق النسب أن يقع به التعاطف والتراحم كما يقال في الدنيا: أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا، فنفى سبحانه ذلك من حيث إن كل أحد من أهل النار يكون مشغولا بنفسه وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب، وهكذا الحال في الدنيا لأن الرجل متى وقع في الأمر العظيم من الآلام ينسى ولده ووالده.
وثانيها: أن من حق النسب أن يحصل به التفاخر في الدنيا، وأن يسأل بعضهم عن كيفية نسب البعض، وفي الآخرة لا يتفرغون لذلك.
وثالثها: أن يجعل ذلك استعارة عن الخوف الشديد فكل امرئ مشغول بنفسه عن بنيه وأخيه وفصيلته التي تؤويه فكيف بسائر الأمور، قال ابن مسعود رضي الله عنه يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وينادي مناد ألا إن هذا فلان فمن له عليه حق فليأت إلى حقه فتفرح المرأة حينئذ أن يثبت لها حق على أمها أو أختها أو أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها...
واعلم أنه سبحانه قد بين أن بعد النفخ في الصور تكون المحاسبة، وشرح أحوال السعداء والأشقياء، وقيل لما بين سبحانه أنه ليس في الآخرة إلا ثقل الموازين وخفتها، وجب أن يكون كل مكلف لابد وأن يكون من أهل الجنة وأهل الفلاح أو من أهل النار فيبطل بذلك القول بأن فيهم من لا يستحق الثواب والعقاب أو من يتساوى له الثواب والعقاب.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما في ذلك اليوم، من المزعجات والمقلقات، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث، فحشر الناس أجمعون، لميقات يوم معلوم، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم، التي هي أقوى الأسباب، فغير الأنساب من باب أولى، وأنه لا يسأل أحد أحدا عن حاله، لاشتغاله بنفسه، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها؟ قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}. وفي القيامة مواضع، يشتد كربها، ويعظم وقعها، كالميزان الذي يميز به أعمال العبد، وينظر فيه بالعدل ما له وما عليه، وتبين فيه مثاقيل الذر، من الخير والشر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنما تقطعت الروابط، وسقطت القيم التي كانوا يتعارفون عليها في الدنيا، وشملهم الهول بالصمت، فهم ساكنون لا يتحدثون (ولا يتساءلون).
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ومعنى فلا أنساب بينهم، أي أنهم يكونون أمام الله تعالى على سواء، فلا أنساب بينهم يتفاخرون بها، ويعلو بعضهم على بعض بشرفهم ولا تفاوت بينهم بسببها، إنما الأعمال هي التي تكون مناط الفخر، وسر الاستكبار.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
إشارة إلى أن رابطة الأرحام والأنساب، التي من شأنها أن تجمع بين الأقارب والأحباب، ينعدم أثرها بين المكذبين الذين لا يؤمنون، في هذا الموقف الرهيب، الذي يستوي فيه البعيد والقريب، فلا تراحم بينهم ولا تعاطف، ولا تقارب بينهم ولا تآلف، وما من أحد منهم إلا وهو في شغل شاغل بنفسه، يعض بنان الندم على ما فاته في أمسه، على غرار قوله تعالى في آية أخرى {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 33، 34، 35، 36، 37]،..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} وقام الناس من قلب الموت، وعادوا إلى الحياة من جديد، ليواجهوا المصير {فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُون} لأن العلاقات النسبية التي أراد الله للناس الالتزام بها، والتعارف من خلالها، والترابط على أساسها، كان غرضها تنظيم الحياة الاجتماعية، لتتطور وتتكامل وتحقق مصلحة الإنسان العليا، من خلال الدوائر الصغيرة والكبيرة في ما تجتمع فيه أو تفترق.. فإذا كان يوم القيامة، فإن المسؤولية هي التي تحدّد المصير ساعة الحساب، ثم بعد ذلك يلتقي الجميع في الجنة أو في النار، ويكون هناك مجتمعان: مجتمع الجنة الذي يعيش فيه الناس المتّقون {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظلاَلٍ عَلَى الاْرَآئِكِ مُتَّكِئُون} [يس: 56] ويلتقون فيه مع بعضهم البعض {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين} [الحجر: 47] في رابطة التقوى التي تتجاوز النسب، لتلتقي برضوان الله وطاعته، ومجتمع النار الذي يلتقي فيه الكافرون والضالّون {الاخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف: 67] {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38]، حيث تتقطع كل العلاقات، وينكمش كل فردٍ داخل دائرة عذابه الخاص الذي يختزن كل الآلام فينشغل بها عن كل شيء.. وتتلاشى قيمة الأنساب وما تصنفه من روابط، ويبقى رابط الإيمان والتقوى الذي يتحوّل إلى نسب في المعنى، بدلاً من النسب المتأتّي عن علاقات الجسد.. وبذلك كان الحكم بسقوط الأنساب منسجماً مع أجواء يوم القيامة على كل حال، فلا أنساب بينهم {وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ} لأن كل واحد منهم مشغول بنفسه، {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]، وإذا كان هناك تساؤل في بعض المواقع، فإنه ليس تساؤلاً يتعلق باهتمام كل واحد بصاحبه، بل هو اهتمام بالذات، حيث يعلن كل واحد من خلاله عن المرارة أو الثورة التي يعيشها تجاه الآخر الذي شارك في إضلاله، في محاولة للنجاة من العذاب، حيث يخيل أنه من الممكن أن ينجح وينجو عندما يحمّل الطرف الآخر مسؤولية ما قام به من الأعمال، كما هو حال المستضعفين والمستكبرين، والتابعين والمتبوعين.. وربما يحصل بعض التساؤل داخل الجنة بين أهلها، أو داخل النار بين أصحابها، فلا ينافي ذلك التساؤل الحاصل بينهم في هذه الآية، لأنها تعبير عن انشغال كل منهم بنفسه في ما يواجهه من أخطار القيامة وأهوالها.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وعلى كلّ حال، فإنّ الآية أشارت إلى ظاهرتين من ظواهر يوم القيامة: أولاهما: انتهاء مسألة النسب، لأنّ رابطة الأسرة والقبيلة التي تسود حياة الناس في هذا العالم تؤدّي في كثير من الحالات إلى نجاة المذنبين من العقاب، إذ يستنجدون بأقربائهم في حلّ مشاكلهم. أمّا الوضع يوم القيامة فيختلف، حيث كلّ إنسان وعمله، فلا معين له، ولا نفع في ولده، أو أخيه، أو والده. وثانيتهما: سيطرة الخوف على الجميع، فلا يسأل أحد عن حال غيره بسبب الخوف الشديد من العقاب الإلهي،.