{ 28-29 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
وهذا الخطاب ، يحتمل أنه [ خطاب ] لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام ، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم ، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه ، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين ، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم ، وهذا الظاهر ، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ، ظاهره وباطنه ، أصوله وفروعه ، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم ، أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان ، وأجر على التقوى ، أو أجر على امتثال الأوامر ، وأجر على اجتناب النواهي ، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى .
{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } أي : يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ، ويغفر لكم السيئات .
{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فلا يستكثر{[998]} هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم ، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض ، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذا النداء للؤمنين فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا . . . } .
أى : يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، اتقوا الله فى كل ما تأتون وما تذرون ، وداوموا على الإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واثبتوا على ذلك .
{ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أى : يعطكم بسبب ذلك نصيبين وضعفين من رحمته - سبحانه - وفضله .
وأصل الكفر - كما يقول القرطبى - كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط . . . أى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصى ، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط .
{ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } أى : ويجعل لم بفضله نورا تمشون به يوم القيامة . كما قال - تعالى - : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أى : ما فرط منكم من ذنوب ، بأن يزيلها عنكم .
{ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى : واسع المغفرة والرحمة لمن انقاه وأطاعه .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد المؤمنين على تقواهم وعلى إيمانهم برسوله ، أن يؤتيهم نصيبين من رحمته . . . وأن يجعل لهم نورا يمشون به ، فيهديهم إلى ما يسعدهم فى كل شئونهم ، وأن يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم . . . فضلا منه وكرما .
قالوا : وأعطى الله - تعالى - للمؤمنين نصيبين من الأجر ، لأن أولهما بسبب إيمانهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وثانيهما : بسبب إيمانهم بالرسل السابقين ، كما أعطى مؤمنى أهل الكتاب نصيبين من الأجر : أحدهما للإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والثانى للإيمان - بعيسى - عليه السلام - الذى نسخت شريعته بالشريعة المحمدية .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، خافوا الله بأداء طاعته ، واجتناب معاصيه ، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم . كما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرُسُولِهِ يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني : الذين آمنوا من أهل الكتاب .
وقوله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يُعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم حين بعث نبيا . وأصل الكِفل : الحظّ ، وأصله : ما يكتفل به الراكبُ ، فيحبسه ويحفظه عن السقوط يقول : يُحَصّنكم هذا الكِفْل من العذاب ، كما يُحَصّن الكِفْل الراكب من السقوط . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو عمار المَرْوَزِيّ ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : أجرين ، لإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل ، وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم به .
قال : ثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : أجْرَين : إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم ، والتوراة والإنجيل .
وبه عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس وهارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : أجرين .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : ضعفين .
قال : ثنا مهران ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشيّ يدعوه ، فقدم عليه ، فدعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان انصرافه ، قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته ، وهم أربعون رجلاً : ائذن لنا ، فنأتي هذا النبيّ ، فنسلم به ، ونساعد هؤلاء في البحر ، فإنّا أعلم بالبحر منهم ، فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تهيأ النبيّ صلى الله عليه وسلم لوقعة أُحُدُ فلما رأوا ما بالمسلمين من الخَصاصة وشدّة الحال ، استأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا نبيّ الله إن لنا أموالاً ، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة ، فإن أذِنت لنا انصرفنا ، فجئنا بأموالنا ، وواسينا المسلمين بها . فَأَذنَ لهم ، فانصرفوا ، فأتوا بأموالهم ، فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله فيهم الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . . . إلى قوله : ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فكانت النفقة التي واسَوْا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بقوله : يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا فَخَروا على المسلمين ، فقالوا : يا معشر المسلمين ، أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم ، فما فضلكم علينا ، فأنزل الله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فجعل لهم أجرهم ، وزادهم النورَ والمغفرة ، ثم قال : لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ . وهكذا قرأها سعيد بن جُبَير لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْن مِنْ رَحَمَتِهِ قال : ضعفين .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال والكفلان أجران بإيمانهم الأوّل ، وبالكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب يُؤْتِكُم كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : أجرين بإيمانكم بالكتاب الأوّل ، والذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ قال : أجرين : أجر الدنيا ، وأجر الاَخرة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن سفيان ، قال : حدثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن أبي موسى يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : الكفلان : ضعفان من الأجر بلسان الحَبَشة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الشعبيّ ، قال : إن الناس يوم القيامة على أربع منازل : رجل كان مؤمنا بعيسى ، فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجران . ورجل كان كافرا بعيسى ، فأمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجر . ورجل كان كافرا بعيسى ، فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فباء بغضب على غضب . ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب ، فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب .
حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرني أبي ، قال : سألت سعيد بن عبد العزيز ، عن الكفل كم هو ؟ قال : ثلاث مئة وخمسون حسنة ، والكفلان : سبع مئة حسنة . قال سعيد : سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حبرا من أحبار اليهود : كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة ؟ قال : كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة قال : فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين ، ثم ذكر سعيد قول الله عزّ وجل في سورة الحديد يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فقلت له : الكفلان في الجمعة مثل هذا ؟ قال : نعم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا معمر بن راشد ، عن فراس ، عن الشعبيّ ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْن : رَجُلٌ آمَنَ بالكِتابِ الأوّلِ والكِتابِ الاَخِرِ ، وَرَجُلٌ كانَت لَهُ أمّةٌ فأدّبَها وأحْسَنَ تَأدِيبَهَا ، ثُمّ أعْتَقَها فَتزَوّجَها ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أحْسَنَ عِبادَةَ رَبّهِ ، وَنَصَحَ لِسَيّدِهِ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : ثني صالح بن صالح الهمداني ، عن عامر ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي موسى ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن صالح بن صالح ، سمع الشعبيّ يحدّث ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني محمد بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا إسحاق بن الفرات ، عن يحيى بن أيوب ، قال : قال يحيى بن سعيد أخبرنا نافع ، أن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنّمَا آجالُكُم فِي آجالِ مَن خَلا مِنَ الأُمَم ، كمَا بَينَ صَلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشّمْس ، وإنما مَثَلُكُم وَمَثَلُ اليَهُودِ والنّصَارَى كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتأجَرَ عُمّالاً ، فَقالَ : مَن يَعْمَل مِن بُكْرَةٍ إلى نِصفِ النّهارِ على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ألا فَعَمِلَت اليَهُودُ ثُمّ قالَ : مَن يَعْمَلُ مِنْ نِصفِ النّهارِ إلى صَلاةِ العَصْر على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ألا فَعَمِلَتِ النّصَارَى ثُمّ قالَ : مَن يعْمَل مِن صَلاةِ العَصْر إلى مَغارِبِ الشّمْس على قِيرَاطَيْن قِيرَاطَيْن ، ألا فَعَمِلْتُم » .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ هَذهِ الأُمّةِ » ، أو قال «أُمّتِي وَمَثَلُ اليَهُودِ والنّصَارَى ، كمَثَلِ رَجُلٍ قالَ : مَنْ يَعْمَلُ لي مِن غَدوَةٍ إلى نِصْفِ النّهارِ على قِيرَاط » قالَتِ اليَهودُ : نَحْنُ ، فَعَملُوا قال : «فَمَن يَعْمَلُ مِن نِصفِ النّهارِ إلى صَلاة العَصْر على قِيرَاطٍ ؟ » قالَتِ النّصَارَى : نَحْنُ ، فَعَمِلُوا ، «وأنْتُم المُسْلِمُونَ تَعْمَلُونَ مِن صَلاةِ العَصْر إلى اللّيْلِ على قِيرَاطَيْن » ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ والنّصَارَى وقالُوا : نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً ، وأقَلّ أجْرا ، قالَ «هَل ظَلَمْتُكُمْ مِن أُجُورِكُمْ شَيْئا ؟ » قالُوا : لا ، قال : «فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أشاءُ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث وابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أُمامة الباهليّ ، أنه قال : شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع ، فقال قولاً كثيرا حسنا جميلاً ، وكان فيها : «مَن أسْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ فَلَهُ أجْرُهُ مَرّتَيْنِ ، وَلَهُ مِثْلُ الّذِي لَنَا ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الّذِي عَلَيْنَا وَمَن أسْلَمَ مِنَ المُشْركينَ فَلَهُ أجْرُهُ ، وَلَهُ مِثْلُ الذِي لَنا ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الّذِي عَلَيْنا » .
وقوله : ويَجْعَلْ لَكُم نُورا تَمْشُونَ بِهِ اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به القرآن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو عمار المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ويَجْعَل لَكُم نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال : الفرقان واتباعهم النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ويَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال : الفرقان ، واتباعهم النبيّ صلى الله عليه وسلم . حدثنا أبو كُرَيب ، وأبو هشام ، قالا : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ويَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال : القرآن .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد ، مثله .
وقال آخرون : عُنِي بالنور في هذا الموضع : الهدى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : تَمْشُونَ بِهِ قال : هدى .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به ، والقرآن ، مع اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم نور لمن آمن بهما وصدّقهما وهدى ، لأن من آمن بذلك ، فقد اهتدى .
وقوله : وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول : ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره : والله ذو مغفرة ورحمة .