تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ْ }

أي : لم يكن الرسول { مُحَمَّدٌ ْ } صلى اللّه عليه وسلم { أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ْ } أيها الأمة فقطع انتساب زيد بن حارثة منه ، من هذا الباب .

ولما كان هذا النفي عامًّا في جميع الأحوال ، إن حمل ظاهر اللفظ على ظاهره ، أي : لا أبوة نسب ، ولا أبوة ادعاء ، وقد كان تقرر فيما تقدم أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أب للمؤمنين كلهم ، وأزواجه أمهاتهم ، فاحترز أن يدخل في هذا النوع ، بعموم النهي المذكور ، فقال : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ْ } أي : هذه مرتبته مرتبة المطاع المتبوع ، المهتدى به ، المؤمن له الذي يجب تقديم محبته ، على محبة كل أحد ، الناصح الذي لهم ، أي : للمؤمنين ، من بره [ ونصحه ]{[1]}  كأنه أب لهم .

{ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ْ } أي : قد أحاط علمه بجميع الأشياء ، ويعلم حيث يجعل رسالاته ، ومن يصلح لفضله ، ومن لا يصلح .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } فتقولوا إنه تزوج امرأة ابنه يعني زيدا ليس له بابن وإن كان قد تبناه { ولكن } كان { رسول الله وخاتم النبيين } لا نبي بعده

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- لما تزوج زينب قال الناس : تزوج امرأة ابنه ، فنزلت الآية ، أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه حليلته ، ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم ، وأن نساءه عليهم حرام فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم ، وأعلم أن محمدا لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة . ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد ، فقد ولد له ذكور : إبراهيم ، والقاسم ، والطيب ، والمطهر ، ولكن لم يعش له ابن حتى يصير رجلا . وأما الحسن والحسين فكانا طفلين ، ولم يكونا رجلين معاصرين له .

الثانية- قوله تعالى : " ولكن رسول الله " قال الأخفش والفراء : أي ولكن كان رسول الله . وأجازا " ولكن رسول الله وخاتم " بالرفع ، وكذلك قرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس " ولكن رسول الله " بالرفع ، على معنى هو رسول الله وخاتم النبيين . وقرأت فرقة " ولكن " بتشديد النون ، ونصب " رسول الله " على أنه اسم " لكن " والخبر محذوف " وخاتم " قرأ عاصم وحده بفتح التاء ، بمعنى أنهم به ختموا ، فهو كالخاتم والطابع لهم . وقرأ الجمهور بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم . وقيل : الخاتم والخاتم لغتان ، مثل طابع وطابع ، ودانق ودانق ، وطابق من اللحم وطابق .

الثالثة- قال ابن عطية : هذه الألفاظ عنه جماعة علماء الأمة{[12843]} خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية : من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية ، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد ، إلحاد عندي ، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة ، فالحذر الحذر منه ! والله الهادي . برحمته .

قلت : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله ) . قال أبو عمر : يعني الرؤيا والله أعلم التي هي جزء منها ، كما قال عليه السلام : ( ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ) . وقرأ ابن مسعود " من رجالكم ولكن نبيا ختم النبيين " . قال الرماني : ختم به عليه الصلاة والسلام الاستصلاح ، فمن لم يصلح به فميؤوس من صلاحه .

قلت : ومن هذا المعنى قوله عليه السلام : ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) . وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى : ( مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون : لولا موضع اللبنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء ) . ونحوه عن أبي هريرة ، غير أنه قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) .


[12843]:في ج، ش:" الأئمة".