تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (109)

{ 109 - 111 } { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

أي : وأقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم . { بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : قسما اجتهدوا فيه وأكدوه . { لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ } تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم { لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } وهذا الكلام الذي صدر منهم ، لم يكن قصدهم فيه الرشاد ، وإنما قصدهم دفع الاعتراض عليهم ، ورد ما جاء به الرسول قطعا ، فإن الله أيد رسوله صلى الله عليه وسلم ، بالآيات البينات ، والأدلة الواضحات ، التي -عند الالتفات لها- لا تبقي أدنى شبهة ولا إشكال في صحة ما جاء به ، فطلبهم -بعد ذلك- للآيات من باب التعنت ، الذي لا يلزم إجابته ، بل قد يكون المنع من إجابتهم أصلح لهم ، فإن الله جرت سنته في عباده ، أن المقترحين للآيات على رسلهم ، إذا جاءتهم ، فلم يؤمنوا بها -أنه يعاجلهم بالعقوبة ، ولهذا قال : { قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ } أي : هو الذي يرسلها إذا شاء ، ويمنعها إذا شاء ، ليس لي من الأمر شيء ، فطلبكم مني الآيات ظلم ، وطلب لما لا أملك ، وإنما توجهون إلي توضيح ما جئتكم به ، وتصديقه ، وقد حصل ، ومع ذلك ، فليس معلوما ، أنهم إذا جاءتهم الآيات يؤمنون ويصدقون ، بل الغالب ممن هذه حاله ، أنه لا يؤمن ، ولهذا قال : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ }