الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (109)

قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } الآية [ 110 ] .

المعنى : أن الله جل ذكره لما نزّل{[21342]} في ( الشعراء ) { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين }{[21343]} ، أقسم كفار قريش : { لئن جاءتهم آية ليومنن بها } فقال المؤمنون : يا رسول الله ، سل ربك أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فأنزل الله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يومنون } ، وهو خطاب للمؤمنين السائلين النبي في ذلك{[21344]} .

وقيل : معنى الآية : أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية ، وحلفوا ليؤمنن إن أتت ، فقال المؤمنون : يا رسول الله ، سل ربك أن ينزلها ( عليهم ){[21345]} حتى يؤمنوا ، ( فأنزل الله ){[21346]} : وما يشعركم أيُّها المؤمنون بذلك ؟ ، أي : بصحة{[21347]} قولهم{[21348]} ( ثم قال ){[21349]} مستأنفا مخبرا عنهم{[21350]} – بما يفعلون لو نزلت - : إنها إذا جاءت لا يؤمنون . وهذا معنى الكسر{[21351]} ، وهو الاختيار عند أكثر{[21352]} النحويين{[21353]} .

-عليه وسلم في ذلك ، فجاءه جبريل فقال{[21354]} : إن شئت أصبح ذهبا ، ولئن{[21355]} أرسل{[21356]} آية فلم يصدقوا عند ذلك ليُعذِبَنّهم{[21357]} الله ، و( إنْ ){[21358]} شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل يتوب تائِبُهم{[21359]} " ، فأنزل الله : { وأقسموا بالله{[21360]} } الآية{[21361]} .

ومن قرأ بالتاء{[21362]} ، فإنما هو خطاب للمشركين{[21363]} الذي سألوا الآية ، ويحتمل وجهين :

- أحدهما : أن تكسر ( إنّ ){[21364]} على معنى : وما يشعركم ذلك ، ثم استأنف بالإخبار{[21365]} عما{[21366]} سبق في علمه ، وعلم ما لو كان كيف كان يكون ، فقال : إنها إذا جاءت لا تؤمنون{[21367]} أيها المشركون{[21368]} .

- ويحتمل أن تفتح ( أنَّ ){[21369]} ، ويكون المعنى : وما يُشعركم – أيها المشركون – أنها إذا جاءت تؤمنون ؟ ، وتكون ( لا زائدة{[21370]} .

ومن قرأ بالياء{[21371]} فهو خطاب للمؤمنين الذين سألو النبي أن يسأل آية ليؤمن المشركون{[21372]} عند نزولها على ما سألوا ، وأقسموا إنهم يؤمنون إذا نزلت ، ويحتمل معنيين :

أحدهما : فتح ( أنَّ ) ويكون المعنى : وما يشعركم – أيها المؤمنون – أنها إذا جاءت يؤمنون ؟ ، أي : ( ما ){[21373]} يدريكم أنهم يؤمنون إذا نزلت الآية . وتكون ( لا ) زائدة{[21374]} .

والوجه الآخر : أن تكون ( إنِّ ) مكسورة ، ويكون المعنى : وما يشعركم – أيها المؤمنون – ذلك . ثم استأنف فقال : { أنها إذا جاءت لا يومنون } ، يخبر{[21375]} بما يكون لو فعل بهم ذلك{[21376]} .

ويجوز في القراءتين جميعا – الياء والتاء – أن تكون{[21377]} ( أنَّها ) – إذا فتحت – بمعنى ( لعلها ) ، وتكون ( لا ) غير زائدة{[21378]} .

والياء اختيار الطبري مع فتح ( أنَّ ){[21379]} بمعنى ( لعلها ){[21380]} .

ولو فتحت ( أنَّها ) ولم تقدر زيادة ( لا ) ولا كون ( أنَّها ) بمعنى ( لعلها ) ، لكان ذلك عذرا لهم{[21381]} .

ولا يتم فتح ( أنَّها ) إلا بأحد وجهين :

- إما{[21382]} أن تقدرها بمعنى ( لعلها ){[21383]} .

- أو{[21384]} تقدر زيادة ( لا ) . فاعلم ذلك{[21385]} .

وقد حكى الخليل عن العرب : ( ائت{[21386]} السوق أنك تشتري لنا ) ، أي : لعلك{[21387]} .

وسمع الكسائي رجلا يقول : ( ما أدري أنه صاحبها ) ، أي : لعله{[21388]} . وسمع الفراء{[21389]} أبا الهيثم{[21390]} العُقيلي يقول : ( أنَّها ( تركته لفاقة حالة ) ){[21391]} ، يريد ( لعلها تركته ){[21392]} . وفي قراءة أبّي { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يومنون }{[21393]} ، وفي حرف{[21394]} عبد الله : ( وما يشعركم إذا ( جَاءَتْ ){[21395]} لا يؤمنون ){[21396]} .

ومن قدر زيادة ( لا ) هنا ، أوقع { يشعركم } على { أن } ففتحها{[21397]} ، ويجعل ( لا ) صلة كهي في قوله : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون }{[21398]} ، المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا ، ومثله : { ما منعك ألا{[21399]} تسجد }{[21400]} . قال الفراء : العرب تجعل ( لا ) صلة في كل كلام دخل في آخره ( أو في أوله ){[21401]} جحد{[21402]} ، أو في أوله جحد{[21403]} غير مصرح .

وقيل : في الآية قول حسن ، وهو أن يكون المعنى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون{[21404]} . ثم حذف الأخير{[21405]} لدلالة الأول عليه ، فيعمل ( يُشْعِرُكُم ) في ( أنها ) ، ويفتح ( أن ) ، ولا يقدر زيادة /{[21406]} ( لا ) ، ولا يقدر ( أنها ) بمعنى ( لعلها ) ، ولا تكون عذرا لهم{[21407]} .

( والوقف على ( يُشْعركم ) في قراءة من كسر ( إنّ ) ، وفي قراءة من فتح على تقدير ( لعلها ) حسن ، ولا يحسن الوقف على ( يُشعِركم ) على غير هذين الوجهين ){[21408]} .


[21342]:د: أنزل.
[21343]:الشعراء آية 3.
[21344]:انظر: معاني الفراء 1/49، 350، وتفسير الطبري 12/40، و41 من غير ذكر آية (الشعراء) ونقله ابن زنجلة في حجته عن الفراء 266. وانظر: كذلك المحرر 6/127.
[21345]:ساقطة من ب د.
[21346]:ساقطة من د.
[21347]:د: بطحة.
[21348]:انظر: تفسير الطبري 12/40، 41 من غير أن الكفار سألوا رسول الله الإتيان بآية.
[21349]:ساقطة من ب د.
[21350]:د: عنه.
[21351]:وبكسر: (إنها) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ورواية الأودي عنه: في السبعة 265، وفي تفسير الطبري أنها قراءة بعض قرأة المكيين والبصريين ومجاهد وابن يزيد كذلك 12/40، والكسائي وخلف في المبسوط 200.
[21352]:ب: اكثير.
[21353]:هو مذهب يعقوب وأبي عمرو وعيسى في القطع 218، 319، وانظر: أحكام القرطبي 7/64.
[21354]:ب د : فقال له.
[21355]:ب: يبين.
[21356]:مخرومة في (أ). ب: أرسلنا.
[21357]:ب: فيعذبنهم.
[21358]:ب: فان.
[21359]:ب: تاتيهم.
[21360]:ب د: بالله جهد أيمانهم.
[21361]:من قول المؤلف: (والذي سألوه): بعض كلام محمد بن كعب في تفسير الطبري 12/38، 39، وأسباب النزول 149، 150، ولباب النقول 103.
[21362]:(وقرأ ابن عامر وحمزة: (لا تؤمنون) بالتاء) في السبعة 265، والمبسوط 200، وحجة ابن زنجلة 267.
[21363]:انظر: الكشف 1/445.
[21364]:انظر: التعليق على معنى الكسر السابق.
[21365]:د: باخبار.
[21366]:د: عن ما.
[21367]:ب د : يومنون.
[21368]:انظر: الكشف 1/445.
[21369]:وهي قراءة (نافع وعاصم – في رواية حفص – وحمزة والكسائي، وأحسب ابن عامر) في السبعة 265، وعامة قرأة أهل المدينة والكوفة في تفسير الطبري 12/41، وأبي جعفر أيضا في المبسوط 200.
[21370]:(فأما قول الكسائي) إن (لا) زائدة) فخطأ عند البصريين، لأنها إنما تزاد فيما لا يشكل) إعراب النحس 1/574، وانظر: القطع 319، وهو قول مجاهد في حدة ابن زنجلة 267، وذكره مكي في كشفه 1/446.
[21371]:(فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (لا يؤمنون) بالياء، وكذا عاصم في رؤية حفص ورواية أبي بكر: انظر: السبعة 265.
[21372]:ب: المشركين.
[21373]:ساقطة من ب.
[21374]:انظر: تفسير الطبري 12/41، وإعراب مكي 265، والكشف 1/444، 445.
[21375]:ب : بخير. د: يخبركم.
[21376]:هي قراءة بعضهم في معاني الفراء 1/350، وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/204، وهو اختيار الزجاج في معانيه 2/282، 283، وذكرها مكي في كشفه 1/445.
[21377]:غير منقوطة في أ. ب د: يكون.
[21378]:انظر: المحرر 6/128.
[21379]:ب د: أنها.
[21380]:ب د: أنها.
[21381]:انظر: الكتاب 3/123، وإعراب مكي 265، والكشف 1/445.
[21382]:ب د: واما.
[21383]:في معاني الزجاج الإجماع عليه 2/283، وهو قول الخليل في إعراب النحاس 1/573، وهو معروف في اللغة وفي القطع 320، وذكره ابن خالويه في حجته 147، ومكي في إعرابه 265، وفي كشفه 1/444.
[21384]:ب: و.
[21385]:في تفسير البحر 4/202: (ومن قرأ بالكسر، فالإجماع على أن (لا) غير لغو).
[21386]:ب : آية.
[21387]:انظر: الكتاب 3/123، ومعاني الزجاج 2/282، والقطع 319، وإعراب مكي 265، والكشف 1/444، والشاهد في معاني الأخفش 502.
[21388]:هو من شواهد الفراء في معانيه 1/350.
[21389]:ب: القرا.
[21390]:ب د: الهيتم.
[21391]:الظاهر من الطمس والخرم في (أ) أنها: تركته لنافه الحله. ب: بركته لفاقة حالة.
[21392]:ب د: بركته.
[21393]:انظر: معاني الفراء 1/350 وفيه: (إذا جاءتهم).
[21394]:ب: حرب.
[21395]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: حاجات.
[21396]:انظر: معاني الفراء 1/350 وفيه: (إذا اجاءتهم أنهم) وانظر: حجة ابن خالويه 147.
[21397]:(فهي في موضع اسم منصوب) مجاز أبي عبيدة 1/204، وذكره مكي في كشفه 1/446.
[21398]:الأنبياء آية 94.
[21399]:د : أن لا.
[21400]:الأعراف آية 11. وانظر: معاني الفراء 1/350، وحجة ابن زنجلة 266، و267، وأحكام القرطبي 7/65.
[21401]:مستدركة في هامش (أ) بلفظه الألف والواو من كلمة (أوله). ساقطة من ب د.
[21402]:ب: حجر.
[21403]:ب: حجر.
[21404]:هو قول الفراء وأصحابه في القطع 319، 320.
[21405]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ب د: الأخر.
[21406]:جلها مطموس مع بعض الخرم.
[21407]:انظر: المحرر 6/129.
[21408]:ساقطة من د: وانظر: القطع 318 وما بعدها.