قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } الآية [ 110 ] .
المعنى : أن الله جل ذكره لما نزّل{[21342]} في ( الشعراء ) { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين }{[21343]} ، أقسم كفار قريش : { لئن جاءتهم آية ليومنن بها } فقال المؤمنون : يا رسول الله ، سل ربك أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فأنزل الله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يومنون } ، وهو خطاب للمؤمنين السائلين النبي في ذلك{[21344]} .
وقيل : معنى الآية : أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية ، وحلفوا ليؤمنن إن أتت ، فقال المؤمنون : يا رسول الله ، سل ربك أن ينزلها ( عليهم ){[21345]} حتى يؤمنوا ، ( فأنزل الله ){[21346]} : وما يشعركم أيُّها المؤمنون بذلك ؟ ، أي : بصحة{[21347]} قولهم{[21348]} ( ثم قال ){[21349]} مستأنفا مخبرا عنهم{[21350]} – بما يفعلون لو نزلت - : إنها إذا جاءت لا يؤمنون . وهذا معنى الكسر{[21351]} ، وهو الاختيار عند أكثر{[21352]} النحويين{[21353]} .
-عليه وسلم في ذلك ، فجاءه جبريل فقال{[21354]} : إن شئت أصبح ذهبا ، ولئن{[21355]} أرسل{[21356]} آية فلم يصدقوا عند ذلك ليُعذِبَنّهم{[21357]} الله ، و( إنْ ){[21358]} شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل يتوب تائِبُهم{[21359]} " ، فأنزل الله : { وأقسموا بالله{[21360]} } الآية{[21361]} .
ومن قرأ بالتاء{[21362]} ، فإنما هو خطاب للمشركين{[21363]} الذي سألوا الآية ، ويحتمل وجهين :
- أحدهما : أن تكسر ( إنّ ){[21364]} على معنى : وما يشعركم ذلك ، ثم استأنف بالإخبار{[21365]} عما{[21366]} سبق في علمه ، وعلم ما لو كان كيف كان يكون ، فقال : إنها إذا جاءت لا تؤمنون{[21367]} أيها المشركون{[21368]} .
- ويحتمل أن تفتح ( أنَّ ){[21369]} ، ويكون المعنى : وما يُشعركم – أيها المشركون – أنها إذا جاءت تؤمنون ؟ ، وتكون ( لا زائدة{[21370]} .
ومن قرأ بالياء{[21371]} فهو خطاب للمؤمنين الذين سألو النبي أن يسأل آية ليؤمن المشركون{[21372]} عند نزولها على ما سألوا ، وأقسموا إنهم يؤمنون إذا نزلت ، ويحتمل معنيين :
أحدهما : فتح ( أنَّ ) ويكون المعنى : وما يشعركم – أيها المؤمنون – أنها إذا جاءت يؤمنون ؟ ، أي : ( ما ){[21373]} يدريكم أنهم يؤمنون إذا نزلت الآية . وتكون ( لا ) زائدة{[21374]} .
والوجه الآخر : أن تكون ( إنِّ ) مكسورة ، ويكون المعنى : وما يشعركم – أيها المؤمنون – ذلك . ثم استأنف فقال : { أنها إذا جاءت لا يومنون } ، يخبر{[21375]} بما يكون لو فعل بهم ذلك{[21376]} .
ويجوز في القراءتين جميعا – الياء والتاء – أن تكون{[21377]} ( أنَّها ) – إذا فتحت – بمعنى ( لعلها ) ، وتكون ( لا ) غير زائدة{[21378]} .
والياء اختيار الطبري مع فتح ( أنَّ ){[21379]} بمعنى ( لعلها ){[21380]} .
ولو فتحت ( أنَّها ) ولم تقدر زيادة ( لا ) ولا كون ( أنَّها ) بمعنى ( لعلها ) ، لكان ذلك عذرا لهم{[21381]} .
ولا يتم فتح ( أنَّها ) إلا بأحد وجهين :
- إما{[21382]} أن تقدرها بمعنى ( لعلها ){[21383]} .
- أو{[21384]} تقدر زيادة ( لا ) . فاعلم ذلك{[21385]} .
وقد حكى الخليل عن العرب : ( ائت{[21386]} السوق أنك تشتري لنا ) ، أي : لعلك{[21387]} .
وسمع الكسائي رجلا يقول : ( ما أدري أنه صاحبها ) ، أي : لعله{[21388]} . وسمع الفراء{[21389]} أبا الهيثم{[21390]} العُقيلي يقول : ( أنَّها ( تركته لفاقة حالة ) ){[21391]} ، يريد ( لعلها تركته ){[21392]} . وفي قراءة أبّي { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يومنون }{[21393]} ، وفي حرف{[21394]} عبد الله : ( وما يشعركم إذا ( جَاءَتْ ){[21395]} لا يؤمنون ){[21396]} .
ومن قدر زيادة ( لا ) هنا ، أوقع { يشعركم } على { أن } ففتحها{[21397]} ، ويجعل ( لا ) صلة كهي في قوله : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون }{[21398]} ، المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا ، ومثله : { ما منعك ألا{[21399]} تسجد }{[21400]} . قال الفراء : العرب تجعل ( لا ) صلة في كل كلام دخل في آخره ( أو في أوله ){[21401]} جحد{[21402]} ، أو في أوله جحد{[21403]} غير مصرح .
وقيل : في الآية قول حسن ، وهو أن يكون المعنى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون{[21404]} . ثم حذف الأخير{[21405]} لدلالة الأول عليه ، فيعمل ( يُشْعِرُكُم ) في ( أنها ) ، ويفتح ( أن ) ، ولا يقدر زيادة /{[21406]} ( لا ) ، ولا يقدر ( أنها ) بمعنى ( لعلها ) ، ولا تكون عذرا لهم{[21407]} .
( والوقف على ( يُشْعركم ) في قراءة من كسر ( إنّ ) ، وفي قراءة من فتح على تقدير ( لعلها ) حسن ، ولا يحسن الوقف على ( يُشعِركم ) على غير هذين الوجهين ){[21408]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.