فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (109)

قوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله } أي الكفار مطلقاً ، أو كفار قريش ، وجهد الأيمان أشدّها ، أي أقسموا بالله أشد أيمانهم التي بلغتها قدرتهم ، وقد كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم ، فلهذا أقسموا به ، وانتصاب { جهد } على المصدرية ، وهو بفتح الجيم المشقة ، وبضمها الطاقة ، ومن أهل اللغة من يجعلهما لمعنى واحد ، والمعنى : أنهم اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم آية من الآيات التي كانوا يقترحونها ، وأقسموا لئن جاءتهم هذه الآية التي اقترحوها { لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا } وليس غرضهم الإيمان ، بل معظم قصدهم التحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتلاعب بآيات الله ، فأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بقوله : { إِنَّمَا الآيات عِندَ الله } هذه الآية التي يقترحونها ، وغيرها ، وليس عندي من ذلك شيء ، فهو سبحانه إن أراد إنزالها أنزلها ، وإن أراد أن لا ينزلها لم ينزلها . قوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، بكسر الهمزة من " أنها " ، وهي قراءة مجاهد ، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود ( وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) قال مجاهد وابن زيد : المخاطب بهذا المشركون أي وما يدريكم ، ثم حكم عليهم بقوله : { أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقال الفراء وغيره : الخطاب للمؤمنين ، لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون ، فقال الله تعالى : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقرأ أهل المدينة والأعمش ، وحمزة والكسائي ، وعاصم ، وابن عامر { أنها إذا جاءت } بفتح الهمزة . قال الخليل : { أنها } بمعنى لعلها ، وفي التنزيل : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى } أي أنه يزكي . وحكى عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً أي لعلك ، ومنه قول عدي بن زيد :

أعاذل ما يدريك أن منيتي *** إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد

أي لعل منيتي ، ومنه قول دريد بن الصمة :

أريني جواداً مات هزلاً لأنني *** أرى ما ترين أو بخيلاً مخلداً

أي لعلني ، وقول أبي النجم :

قلت لشيبان ادن من لقائه *** أني بعد اليوم من سوائه

أي لعلي ، وقول جرير :

هل أنتم عائجون بنا لأن *** نرى العرصات أو أثر الخيام

أي لعلنا : اه . وقد وردت في كلام العرب كثيراً بمعنى لعل . وحكى الكسائي أنها كذلك في مصحف أُبيّ بن كعب . وقال الكسائي أيضاً والفراء : إن «لا » زائدة ، والمعنى : وما يشعركم أنها أي الآيات ، إذا جاءت يؤمنون ، فزيدت كما زيدت في قوله تعالى : { وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } وفي قوله : { مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدَ }

وضعف الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة «لا » وقالوا : هو غلط وخطأ . وذكر النحاس وغيره ، أن في الكلام حذفاً والتقدير : أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، ثم حذف هذا المقدر لعلم السامع .

/خ113