غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ لَّيُؤۡمِنُنَّ بِهَاۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (109)

101

قال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } والغرض حكاية شبهة أخرى لهم وهي أن هذا القرآن كيفما كان أمره فليس من جنس المعجزات البتة ، ولو أنك يا محمد جئتنا بمعجزة باهرة وبينه قاهرة لآمنا بك وأكدوا هذا المعنى بالأيمان والأقسام . قال الواحدي : إنما سمى اليمين بالقسم لأن اليمين موضعة لتوكيد الخبر وكانت الحاجة إلى ذكر الحلف عند انقسام الناس وقت سماع الخبر إلى مصدق ومكذب ، فمعنى الأقسام إزالة القسمة وجعل الناس كلهم مصدقين بواسطة الحلف واليمين . عن محمد بن كعب قال : «كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله قريش فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كانت معه عصا فضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن صالحاً كانت له ناقة ، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون أن آتيكم به ؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً . قال : فأن فعلت تصدقوني ؟ قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهباً ولكن لم أرسل بآية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتركهم حتى يتوب تائبهم » وأنزل الله الآيات إلى قوله { ولكن أكثرهم يجهلون } قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه . وقال الزجاج : معناه بالغوا في الأيمان . والمراد بقوله { لئن جاءتهم آية } ما روينا من جعل الصفا ذهباً . وقيل : هي الأشياء المذكورة في قوله { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } [ الإسراء : 90 ] الآيات . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم وآله يخبرهم بأن عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدمين المكذبين فالمشركون طلبوا مثلها . { قل إنما الآيات عند الله } أي هو مختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات لأن المعجزات لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى ، أو المراد بالعندية هو العلم بأن إحداث هذه المعجزات هل يقتضي إيمانهم أم لا كقوله { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ] أو المراد أنها وإن كانت معدومة في الحال إلا أنه تعالى متى شاء أحدثها وليس لكم أن تتحكموا في طلبها كقوله { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ الحجر : 21 ] { وما يشعركم } ما استفهام والجملة خبره ، ثم من قرأ { أنها } بكسر الهمزة على الابتداء - وهي القراءة الجيدة - فالتقدير وما يشعركم ما يكون منهم ثم ابتدأ فقال { إنها إذا جاءت لا يؤمنون } وأما قراءة الفتح فقال سيبويه : سألت الخليل عن ذلك فقال : لا تحسن لأنها تصير عذراً للكفار ، لأن معنى قول القائل : ما يدريك أنه لا يفعل هو أنه يفعل . فمعنى الآية أنها إذا جاءت آمنوا وذلك يوجب مجيء هذه الآيات ويصير هذا الكلام عذراً لهم في طلبها ، لكن القراءة لما كانت متواترة فلا جرم ذكر العلماء فيه وجوها : قال الخليل : «أن » بمعنى «لعل » تقول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شياً أي لعلك . ويقوي هذا الوجه قراءة أبي { لعلها إذا جاءت لا يؤمنون } وثانيها «أن » تجعل «لا » صلة كما في قوله { ما منعك أن لا تسجد } [ الأعراف : 12 ] { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] وثالثها أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله : وما يدريكم أيها المؤمنون أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق به على من أنهم لا يؤمنون . وأما من قرأ { لا تؤمنون } بتاء الخطاب فالمراد وما يشعركم أيها الكفار . قال القاضي والجبائي : في الآية دلالة على أنه تعالى يجب أن يفعل كل ما في مقدوره من الألطاف إذ لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده ، ثم إنه لا يفعل ذلك لم يكن لتعليل ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون وجه . وأيضاً لو كان الإيمان بخلق الله تعالى ولم يكن لفعل الألطاف أثر في حمل المكلف على الطاعات لم يكن لإظهار تلك المعجزات أثر . وأجيب بأن تأثير المعجزات عندهم مبني على وجوب اللطف ، فلو أثبت اللطف به لزم الدور ، وبأن الآية التي بعد هذه وهي قوله { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } تدل على أن الكفر والإيمان بقضاء الله وقدره .

/خ110