قال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } والغرض حكاية شبهة أخرى لهم وهي أن هذا القرآن كيفما كان أمره فليس من جنس المعجزات البتة ، ولو أنك يا محمد جئتنا بمعجزة باهرة وبينه قاهرة لآمنا بك وأكدوا هذا المعنى بالأيمان والأقسام . قال الواحدي : إنما سمى اليمين بالقسم لأن اليمين موضعة لتوكيد الخبر وكانت الحاجة إلى ذكر الحلف عند انقسام الناس وقت سماع الخبر إلى مصدق ومكذب ، فمعنى الأقسام إزالة القسمة وجعل الناس كلهم مصدقين بواسطة الحلف واليمين . عن محمد بن كعب قال : «كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله قريش فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كانت معه عصا فضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن صالحاً كانت له ناقة ، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون أن آتيكم به ؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً . قال : فأن فعلت تصدقوني ؟ قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل عليه السلام فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهباً ولكن لم أرسل بآية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتركهم حتى يتوب تائبهم » وأنزل الله الآيات إلى قوله { ولكن أكثرهم يجهلون } قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل بالله فهو جهد يمينه . وقال الزجاج : معناه بالغوا في الأيمان . والمراد بقوله { لئن جاءتهم آية } ما روينا من جعل الصفا ذهباً . وقيل : هي الأشياء المذكورة في قوله { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } [ الإسراء : 90 ] الآيات . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم وآله يخبرهم بأن عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم المتقدمين المكذبين فالمشركون طلبوا مثلها . { قل إنما الآيات عند الله } أي هو مختص بالقدرة على أمثال هذه الآيات لأن المعجزات لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى ، أو المراد بالعندية هو العلم بأن إحداث هذه المعجزات هل يقتضي إيمانهم أم لا كقوله { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ] أو المراد أنها وإن كانت معدومة في الحال إلا أنه تعالى متى شاء أحدثها وليس لكم أن تتحكموا في طلبها كقوله { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ الحجر : 21 ] { وما يشعركم } ما استفهام والجملة خبره ، ثم من قرأ { أنها } بكسر الهمزة على الابتداء - وهي القراءة الجيدة - فالتقدير وما يشعركم ما يكون منهم ثم ابتدأ فقال { إنها إذا جاءت لا يؤمنون } وأما قراءة الفتح فقال سيبويه : سألت الخليل عن ذلك فقال : لا تحسن لأنها تصير عذراً للكفار ، لأن معنى قول القائل : ما يدريك أنه لا يفعل هو أنه يفعل . فمعنى الآية أنها إذا جاءت آمنوا وذلك يوجب مجيء هذه الآيات ويصير هذا الكلام عذراً لهم في طلبها ، لكن القراءة لما كانت متواترة فلا جرم ذكر العلماء فيه وجوها : قال الخليل : «أن » بمعنى «لعل » تقول العرب : ائت السوق أنك تشتري لنا شياً أي لعلك . ويقوي هذا الوجه قراءة أبي { لعلها إذا جاءت لا يؤمنون } وثانيها «أن » تجعل «لا » صلة كما في قوله { ما منعك أن لا تسجد } [ الأعراف : 12 ] { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] وثالثها أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله : وما يدريكم أيها المؤمنون أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق به على من أنهم لا يؤمنون . وأما من قرأ { لا تؤمنون } بتاء الخطاب فالمراد وما يشعركم أيها الكفار . قال القاضي والجبائي : في الآية دلالة على أنه تعالى يجب أن يفعل كل ما في مقدوره من الألطاف إذ لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده ، ثم إنه لا يفعل ذلك لم يكن لتعليل ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون وجه . وأيضاً لو كان الإيمان بخلق الله تعالى ولم يكن لفعل الألطاف أثر في حمل المكلف على الطاعات لم يكن لإظهار تلك المعجزات أثر . وأجيب بأن تأثير المعجزات عندهم مبني على وجوب اللطف ، فلو أثبت اللطف به لزم الدور ، وبأن الآية التي بعد هذه وهي قوله { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } تدل على أن الكفر والإيمان بقضاء الله وقدره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.