بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة كلها مدنية وهي ثلاث عشرة آية .

قوله سبحانه وتعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدكم أولياء } نزلت في حاطب بن أبي بلتعة العبسي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهز الجيش للخروج إلى فتح مكة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى الغزو ورى بغيره يعني يظهر من نفسه أنه يريد الخروج إلى ناحية أخرى ، وكان الناس لا يعلمون إلى أي ناحية يريد الخروج .

فأمر الناس بأن يتجهزوا إلى الخروج للغزو ولم يعلموا إلى أين يخرج إلا الخواص من أصحابه . فبينما الناس يتجهزون إذ قدمت امرأة من مكة يقال لها سارة مولاة بني عمر بن الصيف بن هشام بن عبد مناف وكانت امرأة مغنية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لماذا جئت فقالت جئت لتعطيني شيئا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت بعطياتك من شبان قريش فقالت منذ قتلتهم ببدر لم يصل إلي شيء إلا القليل ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تعطى شيئا لترجع . فلما أرادت الخروج أتاها حاطب بن أبي بلتعة فقال لها إني معطيك عشرة دنانير وكساء على أن تبلغي إلى أهل مكة كتابا ، فأجابته إلى ذلك فخرجت إلى مكة فنزل جبريل عليه السلام في أثرها بالخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي والزبير والمقداد انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة معها كتاب فخذوه منها . فخرجوا حتى أتوا الروضة فإذا هي سارة هناك فقالوا لها أخرجي الكتاب ، فقالت ما معي كتاب ، فألحوا عليها فحلفت أنه ليس معها كتاب فلم يصدقوها حتى نزعت جميع ثيابها فرمت بها إليهم ، فنظروا إلى ثيابها فلم يجدوا فيها الكتاب ونظروا في راحلتها وأمتعتها فلم يجدوا فيها الكتاب

فقال بعضهم لبعض تعالوا حتى نرجع ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقول المرأة أصدق أم قول جبريل فوالله لا أرجع حتى آخذ منها الكتاب ولأحملن رأسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وسل السيف ليضرب رأسها فأخرجت الكتاب من عقاصها .

فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ الكتاب ، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة وأخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إليهم وإنه أراد بالكتاب إليهم مودتهم ، فقام إليه عمر وقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا يا حاطب فقال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسهم وكل من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهاليهم ، فأردت أن أتخذ فيهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت هذا كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا أرضى بالكفر بعد الإسلام ، وقد علمت أن الله تعالى منجز وعده ما وعد ألا لينصر نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوه إنه شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم " ، فنزل : { يا أيها الذين آمنوا } فسماهم مؤمنين { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } يعني في العون والنصرة . { تلقون إليهم بالمودة } يعني تكتبون وتبعثون إليهم بالصحيفة والنصيحة ويقال معناه تخبرونهم كما يخبر الرجل أهل مودته حيث توجهون إليهم بالمودة والنصيحة والكتاب .

{ وقد كفروا بما جاءكم من الحق } يعني من القرآن والرسول . { يخرجون الرسول وإياكم } يعني أخرجوكم من مكة . { أن تؤمنوا بالله ربكم } يعني لأجل إيمانكم بربكم يعني بوحدانية ربكم . { إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة } يعني لا تلقون إليهم بالمودة إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي وطلب رضاي . { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } يعني ما أسررتم وما أظهرتم من المودة لأهل الكفر وأعلنتم الإقرار بالتوحيد . { ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } يعني من يفعل بعد منكم فقد أخطأ قصد الطريق .