بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

ثم بيّن خبثهم وسوء معاملتهم وفعالهم ، فقال الله تعالى : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ } ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بتبوك ، فذكر المنافقين وسماهم رجساً ، فقال الجلاس بن سويد لئن كان محمد صادقاً فيما يقول ، لنحن شر من الحمير فسمع عامر بن قيس ذلك ، فقال : والله إن محمداً لصادق ، ولأنتم شر من الحمير . فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتاه عامر بن قيس فأخبره . فقال الجلاس : بل كذب عليّ ، وأمرهما أن يحلفا عند المنبر ، فقام الجلاس وحلف ، ثم قام عامر بن قيس وحلف أنه قد قاله ، وما كذبت عليه ، ثم رفع يديه فقال : اللهم انزل على نبيك صلى الله عليه وسلم وبيِّن الصادق منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون «آمِين » فنزل جبريل قبل أن يتفرقوا بهذه الآية { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم } ، يقول كفروا في السر بعد أن أقروا في العلانية { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } ، يعني : أرادوا قتل عامر بن قيس ؛ ويقال : قتل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم اجتمعوا ذات ليلة في مضيق جبل ، ليقتلوه إذا مرّ بهم ، فدفعهم الله عنه ؛ ويقال : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } وهو قول عبد الله بن أُبي ابن سلول لأصحابه : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] . وقال : سَمِّن كلبك يأكلك ، يعني : سلطناهم على أنفسنا فنزل : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } وقال مقاتل : كان المنافقون أصحاب العقبة هموا ليلاً بقتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة في غزوة تبوك ، فنزل : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } وهكذا قال الضحاك .

ثم قال تعالى : { وَمَا نَقَمُواْ } ، يعني : وما عابوا وما طعنوا على محمد صلى الله عليه وسلم . { إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وكان أهل المدينة في شدة من عيشهم ، لا يركبون الخيل ، ولا يحوزون الغنيمة ؛ فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة استغنوا ؛ فذلك قوله : { إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } .

ثم قال الله تعالى : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } ، يعني : إن تابوا من الشرك والنفاق يكون خيراً لهم من الإقامة عليه . { وَإِن يَتَوَلَّوْا } أبوا عن التوبة ، { يُعَذّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدنيا والآخرة } ؛ يعني : في الدنيا بإظهار حالهم ، وفي الآخرة في نار جهنم . { وَمَا لَهُمْ فِى الأرض مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، يعني : مانع يمنعهم من العذاب . وذكر أنه لما نزلت هذه الآية ، تاب الجلاس بن سويد وحسنت توبته .