فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (89)

{ قال } الله تعالى { قد أجيبت دعوتكما } جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون وفيما تقدم أضافها إلى موسى وحده ، فقيل إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فسمي هاهنا داعيا وإن كان الداعي موسى وحده ففي أول الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي وهاهنا أضافه إليهما تنزيلا للمؤمن منزلة الداعي .

ويجوز أن يكونا جميعا داعيين ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أول الكلام لإصالته في الرسالة . قال النحاس : سمعت علي ابن سليمان يقول : الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب ، وقرئ دعاؤكم ودعواكما . قال ابن عباس : فاستجاب له وحال بين فرعون وبين الإيمان ، ويزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة لحكمة يعلمها هو ، وعن ابن جريج ومجاهد نحوه { فاستقيما } أي امضيا لأمري ودوما على الاستقامة قاله ابن عباس ، والاستقامة الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله .

قال الفراء وغيره : أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه وعلى دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا ، وقيل معنى الاستقامة ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضاء والتسليم لما يقضي الله به سبحانه .

{ ولا تتبعان } قرئ بتشديد النون للتأكيد وبتخفيفها على النفي لا على النهي أو أنه نفي في معنى النهي أي لا تسلكا { سبيل الذين لا يعلمون } حكمة تأخير المطلوب نهاهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعبادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا وقيل إنه خبر محض مستأنف لا تعلق له بما قبله ، والمعنى أنهما أخبرا بأنهما لا يتبعان وأما تشديد التاء وتخفيفها فلغتان من أتبع يتبع ، وتبع يتبع وهما بمعنى واحد ، يقال تبعه أي مشى خلفه واتبعه كذلك إلا أنه حاذاه في المشي واتبعه لحقه .

قال الرازي : وهذا النهي لا يدل على أن ذلك قد صدر من موسى وهارون كما أن قوله { لئن أشركت ليحبطن عملك } لا يدل على صدور الشرك منه .