فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ} (66)

{ ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض } ومن جملتهم هؤلاء المشركون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم وإذا كانوا في ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يأذن الله به ، و { ألا } كلمة تنبيه معناه أنه لا ملك لأحد فيهما إلا الله عز وجل فهو يملك ما فيهما .

وقال في الآية الأولى { ما } وفي هذه { من } فمجموعهما دل على أن الله يملك جميع كل شيء فيهما من العقلاء وغيرهم ، أو غلب العقلاء على غيرهم لكونهم أشرف : وفي الآية نعي على عباد البشر والملائكة ، والجمادات لأنهم عبدوا المملوك وتركوا المالك وذلك مخالف لما يوجبه العقل ، ولهذا عقبه بقوله :

{ وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء } ما نافية وشركاء مفعول يتبع وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفا ، والأصل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، شركاء في الحقيقة إنما هي أسماء لا مسميات لها ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ، ويجوز أن يكون المذكور مفعول يدعون وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه ، يعني أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله فليس شركاء له على الحقيقة لأن ذلك محال { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .

وقيل ما استفهامية أي : أي شيء يتبع الذين يدعون وعلى هذا شركاء منصوب بيدعون والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم والإزراء عليهم .

وقيل موصولة ، والمعنى أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السماوات ومن في الأرض .

ثم زاد سبحانه في تأكيد الرد عليهم والدفع لأقوالهم فقال : { إن يتبعون إلا الظن } أي ما يتبعون يقينا إنما يتبعون ظنا ويظنون إنهم آلهة تشفع لهم ، وإن الظن لا يغني من الحق ، شيئا { وإن هم إلا يخرصون } أصل معنى الخرص الحزر بتقديم الزاي على الراء أي التخمين والتقدير ويستعمل بمعنى الكذب لغلبته في مثله والاسم الخرص بالكسر أي يقدرون إنهم شركاء تقديرا باطلا وكذبا بحتا وقد تقدمت هذه الآية في الأنعام .