{ ورفع أبويه على العرش } أي أجلسهما معه على السرير الذي يجلس عليه كما هي عادة الملوك قال ابن عباس : العرش السرير والرفع النقل إلى العلو ، { وخروا } أي الأبوان والأخوة { له } أي ليوسف عليه السلام { سجدا } وكان ذلك جائزا في شريعتهم منزلا منزل التحية ، وقيل لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء وانحناء وكانت تلك تحيتهم وهو يخالف معنى خروا له سجدا فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض .
وقيل الضمير في له راجع إلى الله سبحانه أي وخروا لله سجدا وهو بعيد جدا وقيل إن الضمير ليوسف عليه السلام واللام للتعليل أي وخروا لأجله وفيه أيضا بعد ، قال عدي ابن حاتم في الآية كانت السجدة تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها ، وعن قتادة نحوه ، وعن ابن زيد قال ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لآدم وليس سجود عبادة وكان ذلك بأمر الله لتحقيق رؤياه .
{ وقال } يوسف عليه السلام { يا أبت هذا تأويل رؤياي } التي تقدم ذكرها { من قبل } أي من قبل هذا الوقت في حال الصغر { قد جعلها ربي حقا } أي صدقا بوقوع تأويلها في اليقظة على ما دلت عليه قيل وكان بين الرؤيا والتأويل أربعون سنة أو ثمانون أو ست وثلاثون أو اثنان وعشرون ، وقيل خمس وثلاثون وقيل سبعون حكى هذه الأقوال كلها ابن الجوزي والله أعلم كم كان بينهما .
{ وقد أحسن بي } الأصل أن يتعدى فعل الإحسان بإلى وقد يتعدى بالباء كما في قوله وبالوالدين إحسانا ويقال بي وإلي بمعنى واحد ، وقيل إنه ضمن أحسن معنى لطف أي لطف بي محسنا { إذ أخرجني من السجن } بعدما ابتليت به ، ولم يذكر إخراجه من الجب ، لأن في ذكره نوع من تثريب وتخجيل للأخوة وقد قال { لا تثريب عليكم اليوم } وقد تقدم سبب سجنه ومدة بقائه فيه .
وقد قيل إنه وجه عدم ذكر إخراجه من الجب أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجب لأن دخوله الجب كان بحسد إخوته ودخوله السجن بسبب تهمة المرأة فإخراجه من السجن كان لزوال التهمة عنه ، وكان ذلك من أعظم نعمه سبحانه عليه وفيه بعد وضعف وقيل لأن إخراجه من السجن كان سببا لوصوله إلى الملك أو لأن مصيبة السجن عنده كانت أعظم لطول مدتها ولمصاحبة الأوباش وأعداء الدين فيه بخلاف مصيبة الجب لقصر مدتها ولكون المؤنس له فيها جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة .
{ وجاء بكم من البدو } أي البادية أي أرض كنعان بالشام وكانوا أهل مواشي وبرية فسكنوا البادية وقيل أن يعقوب عليه السلام تحول إلى البادية بعد النبوة لأن الله لم يبعث نبيا من البادية وأن المكان الذي كان فيه يعقوب يقال له بدا وفيه نظر والبدو هو البسيط من الأرض والبدو خلاف الحضر والبادية خلاف الحاضرة ، قال الخفاجي : البادية والبدو بمعنى ، قيل سميت لأن ما فيها يبدو للناظر لعدم ما يواريه .
{ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } أي بعد أن أفسد بيننا وحمل بعضنا على بعض يقال نزغه إذا نخسه وأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرما منه وتأدبا { إن ربي لطيف } قال الأزهري : هو من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان يلطف إذا رفق به .
وقال عمرو بن أبي عمرو : اللطيف الذي يوصل إليك أربك{[974]}في لطف ، قال الخطابي ، اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور قال قتادة : لطف بيوسف عليه السلام وصنع له حين أخرجه من السجن وجاء بأهله من البدو ونزع من قلبه نزع الشيطان وتحريشه على إخوته .
{ لما يشاء } أي لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه الصواب { إنه هو العليم } بأموره { الحكيم } في أفعاله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.