فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

{ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 22 ) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 23 ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 24 ) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ( 25 ) } .

{ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ } لا ناهية والفعل مجزوم بحذف الياء لأنه معتل بها أي لا يحلف ووزنه يفتعل من الأليّة كهدية ، يقال أليّة وألايا مثل هدية وهدايا ، وهي اليمين يقال ائتلى يأتلي بوزن انتهى ينتهي إذا حلف ، ومنه قوله سبحانه : { للذين يؤلون من نسائهم } وقالت فرقة : هو من ألوت في كذا إذا قصرت ومنه لم آل جهدا أي لم أقصر وكذا منه قوله تعالى : { ولا يألونكم خبالا } والأول أولى بدليل سبب النزول ، قال ابن عباس : لا تقسموا أن تنفعوا أحدا .

أخرج ابن المنذر عن عائشة قالت : كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك ، وكان قريبا أبي بكر ، وكان في عياله فحلف أبو بكر أن لا ينيله خيرا أبدا فأنزل الله هذه الآية ، قالت فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير ، وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين .

وعن ابن عباس في الآية قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها ، فأقسم ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه فقال : لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن لا يصلوا أرحامهم ، وأن لا يعطوهم من أموالهم ، كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ، فأمر الله أن يغفر لهم ويعفي عنهم .

{ أَن يُؤْتُوا } قال الزجاج أي على أن لا يؤتوا فحذف { لا } وقال أبو عبيدة : لا حاجة إلى إضمار لا ، والمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان من { أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الجامعين لتلك الأوصاف ، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى : لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لذنب اقترفوه ، وقرئ بتاء الخطاب على الالتفات . ثم علمهم سبحانه أدبا آخر فقال :

{ وَلْيَعْفُوا } عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم ، وجناحتهم التي اقترفوها ، من عفا الربع أي درس ، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع { وَلْيَصْفَحُوا } بإغضاء عن الجاني والإغماض عن جنايته ، والإعراض عن لومه ، فإن العفو أن يتجاوز عن الجاني ، والصفح أن يتناسى جرمه . وقيل : العفو بالفعل والصفح بالقلب ، وقرئ في الفعلين جميعا بالفوقية ثم ذكر سبحانه ترغيبا عظيما لمن عفا وصفح فقال :

{ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم ، قال أبو بكر : بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ، ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليه { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم ، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم ؟ .