فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال : { الْخَبِيثَاتُ } من النساء { لِلْخَبِيثِينَ } من الرجال أي مختصات بهم لا يكدن يتجاوزنهم إلى غيرهم ، كلام مستأنف مؤسس على قاعدة السنة الإلهية الجارية فيما بين الخلق . على موجب أن الله تعالى ملكا يسوق الأهل إلى أهلها { وَ } كذا { الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } أي مختصون بهن لا يتجاوزنهن لأن المجانسة من دواعي الانضمام .

{ وَ } هكذا { الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قال مجاهد ، وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات ، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات ، وعن ابن عباس مثله ، وزاد نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان ، وعن قتادة نحوه ، وكذا روي عن جماعة من التابعين قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل . قال الزجاج : ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ، ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء ، وهذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبث ، ومدح للذين برءوها .

وقيل : إن هذه الآية مبنية على قوله : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً } فالخبيثات الزواني ، والطيبات العفائف ، وكذا الخبيثون والطيبون ، وعن ابن زيد قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان ، والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان ابن أبيّ هو الخبيث ؛ وكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ، ويكون هو لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا فكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب .

{ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } الإشارة إلى الطيبين والطيبات ، أي هم مبرءون مما يقوله الخبيثون والخبيثات ، وقيل الإشارة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعائشة وصفوان بن المعطل ، وقيل إلى عائشة وصفوان فقط ، قال الفراء : وجمع كما قال : فإن كان له إخوة ، والمراد أخوان ، قال ابن زيد : ههنا برئت عائشة .

{ لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة لما لا يخلو عنه البشر من الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } هو رزق الجنة ، روي أن عائشة كانت تفتخر بأشياء لم تعطها امرأة غيرها ، منها أن جبريل أتى بصورتها في خرقة حرير ، وقال هذه زوجتك ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها وفي يومها . ودفن في بيتها ، وكان ينزل عليه الوحي وهي معه في اللحاف ، ونزلت براءتها من السماء ، وأنها ابنة الصديق وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلقت طيبة ، ووعدت مغفرة ورزقا كريما .

وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول : حدثتني الصديقة ابنة الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، المبرأة من السماء ؛ وقال حسان معتذرا في حقها :

حصان ، رزان ، ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

حليلة خير الناس ، دينا ومنصبا نبي الهدى ، والمكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدها غير زائل

مهذبة ، قد طيب الله خيمها وطهرها من كل شين وباطل