ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال : { الْخَبِيثَاتُ } من النساء { لِلْخَبِيثِينَ } من الرجال أي مختصات بهم لا يكدن يتجاوزنهم إلى غيرهم ، كلام مستأنف مؤسس على قاعدة السنة الإلهية الجارية فيما بين الخلق . على موجب أن الله تعالى ملكا يسوق الأهل إلى أهلها { وَ } كذا { الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } أي مختصون بهن لا يتجاوزنهن لأن المجانسة من دواعي الانضمام .
{ وَ } هكذا { الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قال مجاهد ، وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات ، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات ، وعن ابن عباس مثله ، وزاد نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان ، وعن قتادة نحوه ، وكذا روي عن جماعة من التابعين قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل . قال الزجاج : ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ، ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء ، وهذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبث ، ومدح للذين برءوها .
وقيل : إن هذه الآية مبنية على قوله : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً } فالخبيثات الزواني ، والطيبات العفائف ، وكذا الخبيثون والطيبون ، وعن ابن زيد قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان ، والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان ابن أبيّ هو الخبيث ؛ وكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ، ويكون هو لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا فكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب .
{ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } الإشارة إلى الطيبين والطيبات ، أي هم مبرءون مما يقوله الخبيثون والخبيثات ، وقيل الإشارة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعائشة وصفوان بن المعطل ، وقيل إلى عائشة وصفوان فقط ، قال الفراء : وجمع كما قال : فإن كان له إخوة ، والمراد أخوان ، قال ابن زيد : ههنا برئت عائشة .
{ لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة لما لا يخلو عنه البشر من الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } هو رزق الجنة ، روي أن عائشة كانت تفتخر بأشياء لم تعطها امرأة غيرها ، منها أن جبريل أتى بصورتها في خرقة حرير ، وقال هذه زوجتك ، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها وفي يومها . ودفن في بيتها ، وكان ينزل عليه الوحي وهي معه في اللحاف ، ونزلت براءتها من السماء ، وأنها ابنة الصديق وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلقت طيبة ، ووعدت مغفرة ورزقا كريما .
وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول : حدثتني الصديقة ابنة الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، المبرأة من السماء ؛ وقال حسان معتذرا في حقها :
حصان ، رزان ، ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس ، دينا ومنصبا نبي الهدى ، والمكرمات الفواضل
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.