{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 46 ) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ( 47 ) }
{ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } أي : بالخصلة التي هي أحسن للثواب ، وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عز وجل ، والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة ، وعن أبي عباس قال : بالتي هي أحسن ، بلا إله إلا الله .
{ إلا الذين ظلموا منهم } بأن أفرطوا في المجادلة ، ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم و التخشين في مجادلتهم ، وهكذا فسر الآية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ، وقيل : معنى الآية لا تجادلوا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ، وسائر من آمن منهم إلا بالتي هي أحسن ، يعني بالموافقة فيما حدثوكم به ، من أخبار أهل الكتاب ، ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا هم الباقون على كفرهم .
قال مجاهد : هذه الآية محكمة فيجوز مجادلتهم بها ، وقيل : هي منسوخة بآية القتال ، وبذلك قال قتادة ومقاتل ، قال النحاس وغيره : من قال هي منسوخة احتج بأن الآية مكية ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ، ولا طلب جزية ولا غير ذلك . وقول مجاهد حسن ، لأن أحكام الله عز وجل لا يقال فيها إنها منسوخة ، إلا بخبر يقطع العذر أو حجة من معقول ، واختار هذا القول ابن العربي .
قال سعيد بن جبير ومجاهد : المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين ، وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجادلهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية . وقيل : إلا الذين اثبتوا الولد والشريك فيدخل فيه أهل الشرك وعبدة الأوثان ، والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلم علم الكفار الذي به تتحقق المجادلة الحقة بالتي هي أحسن ، قال السمين : الاستثناء متصل وفيه معنيان : أحدهما : إلا الظلمة ، فلا تجادلوهم البتة بل جادلوهم بالسيف والثاني : جادلوهم بغير التي هي أحسن أي : اغلظوا لهم كما اغلظوا عليكم وقرأ ابن عباس ( إلا ) حرف تنبيه أي : فجادلوهم ،
{ وقولوا } هذا تبيين لمجادلتهم بالتي هي أحسن : { آمنا بالذي أنزل إلينا } من القرآن { وأنزل إليكم } من التوراة والإنجيل ، أي بأنهما منزلان من عند الله وأنهما شريعة ثابتة إلى قيام الشريعة الإسلامية ، والبعثة المحمدية ، ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه .
أخرج البخاري والنسائي وابن جرير والبيهقي وغيرهم عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : آمنا بالذي أنزل إلينا وإليكم " .
وأخرج البيهقي وأبو نصر السجزي في الإبانة عن جابر ابن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق ، والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " .
وعن ابن مسعود قال : لا تسألوا أهل الكتاب ، وذكر نحو حديث جابر ، ثم قال : فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه وهذه الآية من جنس المجادلة بالأحسن .
{ وإلهنا وإلهكم واحد } لا شريك له ، ولا ند ، ولا ضد { ونحن مسلمون } أي : ونحن معاشر أمة محمد صلى الله عليه وسلم مطيعون له خاصة لم نقل عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أربابا من دون الله ، ويحتمل أن يراد ونحن جميعا منقادون له ، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب ، وطاعتهم أبلغ من طاعتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.