فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

{ فاعلم أنه لا إله إلا الله } أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة ، ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله ، فاعلم أنه لا إله غيره ، ولا رب سواه والمعنى أثبت على ذلك واستمر عليه ودم على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية ، فإنه النافع يوم القيامة ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، قد كان عالما بأنه لا إله إلا الله قبل هذا .

ويدل عليه صلى الله عليه وسلم " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " {[1493]} رواه مسلم ، وقيل : ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينيا ، وقيل : المعنى : فاذكر أنه لا إله إلا الله فعبر عن الذكر بالعلم ، وقيل : الفاآت في هذه الآيات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال .

{ واستغفر لذنبك } أي : استغفر الله أن يقع منك ذنب أو استغفر الله ليعصمك ، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى ، قال القاضي عياض : إن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلى الله عليه وسلم الدوام عليه ، فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه ، وقيل : يحتمل أن يكون استغفاره شكرا ويأباه قوله لذنبك ، وقيل : استغفر لذنوب أهل بيتك ، وهذا تكلف بلا موجب ، وقيل : لتستن به أمته وليقتدوا به في ذلك ، وقيل : الخطاب له والمراد الأمة ويأبى هذا قوله { وللمؤمنين والمؤمنات } فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته ، بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم ، وهذا إكرام من الله عز وجل لهذه الأمة ، حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم ، وهو الشفيع المجاب فيهم إن شاء الله تعالى .

" عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الاستغفار ، ثم قرأ فاعلم أنه لا إله إلا الله الآية " {[1494]} رواه الطبراني وابن مردويه والديلمي .

" وعن أبي هريرة في قوله { واستغفر لذنبك } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " {[1495]} ، رواه عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، وأصله في البخاري وفي رواية أكثر من سبعين .

" وعن عبد الله بن سرجس قال : أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأكلت معه من طعام فقلت : غفر الله لك يا رسول الله قال ولك ، فقيل استغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم ولكم ، وقرأ : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات{[1496]} أخرجه مسلم وأحمد الترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، وروي مسلم عن الأغر المزني قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة " {[1497]} وللعلماء في هذا الغين كلام طويل لا يسعه هذا الموضع ، وقد وردت أحاديث في استغفاره صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمته وترغيبه في الاستغفار .

{ والله يعلم متقلبكم } في الدنيا في أعمالكم ومعايشكم ومتاجركم { ومثواكم } في الدار الآخرة ، قاله ابن عباس ، وقيل : متقلبكم في أعمالكم نهارا ، ومثواكم في ليلكم نياما ، وقيل : متقلبكم في أصلاب آبائكم إلى أرحام أمهاتكم ، ومثواكم في الأرض أي : مقامكم فيها ، قال ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا ، ومثواكم في القبور ، وقيل : منصرفكم في أعمالكم ، ومثواكم أي مصيركم إلى الجنة أو النار ، والمعنى أنه عالم بجميع أحوالكم ، لا يخفى عليه شيء منها ، وإن دق وخفى ، ومثله حقيق بأن يتقي ويخشى ، وأن يستغفر ،


[1493]:رواه مسلم في صحيحه.
[1494]:صحيح الجامع الصغير.
[1495]:ضعيف الجامع الصغير.
[1496]:مسلم وأحمد.
[1497]:مسلم والبخاري.