فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

وسأل المؤمنون ربهم عز وجل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة يأمرهم فيها بقتال الكفار ، حرصا منهم على الجهاد ، ونيل ما أعده الله للمجاهدين من جزيل الثواب فحكى الله عنهم ذلك بقوله :{ ويقول الذين آمنوا } من هنا إلى آخر السورة لا يظهر إلا كونه مدنيا إذ القتال لم يشرع إلا بالمدينة ، وكذلك النفاق لم يظهر إلا بها فيحمل القول فيما تقدم بأنها مكية على أغلبها ، وأكثرها ، وكذا يحمل القول بأنها مدنية على البعض منها { لولا } هلا { نزلت سورة } فيها ذكر القتال ، والأمر بالجهاد ، والتحريض عليه { فإذا أنزلت سورة } في معنى الجهاد { محكمة } أي غير منسوخة { وذكر فيها القتال } أي فرض الجهاد وطلبه ، قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشد القرآن على المنافقين لأن النسخ لا يرد عليها من قبل أن القتال نسخ ما كان من الصفح والمهادنة ، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة ، وقرأ ابن مسعود : فإذا نزلت سورة محدثة ، أي محدثة النزول وقرأ الجمهور أنزلت وذكر على بناء الفعلين للمفعول وقرئ نزلت ، وذكر على بنائهما للفاعل ، ونصب القتال .

{ رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي شك ، وهم المنافقون ، أو ضعف في الدين ، وأصل المرض الفتور ، فمرض القلوب فتورها عن قبول الحق ، والأول هو الأظهر الموافق لسياق النظم الكريم { ينظرون إليك } يعني شزرا وكراهية منهم { نظر المغشي عليه من الموت } أي نظرا مثل نظر من شخص نظره وبصره عند الموت ، لجبنهم عن القتال ، وميلهم إلى الكفار ، كدأب من أصابته غشية الموت ، وقال ابن قتيبة والزجاج : يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم وينظرون إليك نظرا شديدا كما ينظر الشاخص بصره عند الموت .

{ فأولى لهم } قال الجوهري : أولى لك تهديد ووعيد ، وكذا قال مقاتل والكلبي وقتادة ، قال الأصمعي : معنى قولهم في التهديد : أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره . وهو فعل ماض ، قال ثعلب : ولم يقل في أولى أحسن مما قاله الأصمعي ، وقال المبرد : يقال لمن هم بالغضب ثم أفلت أولى لك أي قاربت الغضب ، وقال الجرجاني : هو مأخوذ من الويل ، أي : فويل لهم وكذا قال في الكشاف . . قال قتادة أيضا : كأنه قال العقاب أولى لهم ، وعلى هذا يكون إسما لا فعلا وعليه الأكثر ، وفي إعرابه أوجه ذكرها السمين .